لقاء مع الشيخ عبد الحميد نجاح ..تجربة حياة مليئة بالنجاح

عبد الحميد نجاح يكشف رحلة حياته
الحاج عبد الحميد
نجاح من مواليد بلدية كوينين ولد خلال سنة 1919 ،بدأ تعليمه الأول
بالمدرسة الإبتدائية ببلدية كوينين سنة 1924 وأكمل مرحلة الإبتدائية بنيله
الشهادة ليظطر بعدها التوقف عن الدراسة سنة 1932 بسبب الفقر فقد نشأ في
أسرة فقيرة الحال وفي ظل عجز أسرته على تأمين مصاريف الحياة العادية أثناء
الإستعمار الفرنسي فلم يكن يملك وقتها الجميع حتى قوت يومهم ،واضطرت ظروف
الحياة القاسية الحاج أحمد للسفر إلى منطقة قسنطينة ويعمل مختلف الأعمال
لكسب لقمة العيش كما يصبر نفسه ويرغمها على العمل الشاق فهو مظهر من مظاهر
الرجولة الحقة إذ توجه بشهادته الإبتدائية إلى مكتب التشغيل بقسنطينة وهو
المكتب الوحيد آنذاك في الشرق الجزائري وكان ذلك سنة 1936ولأجل قبول ملفه
لجأ إلى كتابة عنوان إقامته عند أبناء أحد السوافة الذي كان يقطن هناك
وبعد فترة أرسل له بقبول ملفه وتوفر له منصب عمل كموزع للبريد بقسنطينة
إثرها توجه إلى قسنطينة بواسطة شاحنة واستغرق سفره آنذاك ثلاثة أيام كاملة
،وعند وصوله إلى مكتب التشغيل بقسطينة أخبر بأن المنصب قد أعطي لشخص
آخربسبب تأخره قرر بعدها البقاء في قسنطينة لأن عودته إلى الوادي لم تكن
تفيده في شيء،وبقي هناك ينتظر تحسن الأوضاع لإيجاد منصب عمل أو أي شيء آخر
يعود عيه بالنفع .
تحصل على عديد الشهادات التكريمية في مختلف المناسبات عرفانا على خدماته
المبذولة خلال مسيرته المهنية بكفاءة وإخلاص واتقان في إطار الخدمات
الصحية وتضحياته للحركة الرياضية بسوف ولعلى أبرزها التكريم الخاص الذي
أقامته على شرفه الإتحادية الجزائرية للرياضات الجوية في احتفالية ال50سنة
على تأسيس الخطوط الجوية الجزائرية ،كما كرم أيضا من طرف مديرية البيئة
لولاية الوادي بمناسبة اليوم العالمي للبيئة ، وأقيم على شرفه كذلك تكريم
خاص من طرف النادي الرياضي للهواة أمال سوف

مجالسته لكبار جمعية العلماء المسلمين ساهمت في تكوين شخصيته
كان الحاج متفاعلا مع أحوال بيئته وعصره ومندمجا في الحركة الإصلاحية
معجبا برجالها مشيدا بأعمالهم وأهدافهم في تطوير المجتمع وحماية التراث
وتحرير البلاد بعد أن جالس كبار العلماء،فقد يجد الواحد منا نفسه في بعض
الحالات رهينة لبعض اللحظات التي كان لها تأثير في تحديد مستقبله، فمع
مرور الوقت وجد نفسه دون شغل فبدأ يبحث عن أي عمل لسد الجوع واضطر للعمل
في غسل الصوف وكان بين الفينة والأخرى في فترات الراحة يذهب إلى المسجد
الأخضر يستمع لدروس وتفاسير القرآن التي كان يلقيها الإمام \"عبد
الحميد بن باديس\"،كما كان يحضر لحلقات الدروس الدينية للعلامة
الشيخ \" محمد البشير الإبراهيمي\" مرارا وأبرزما
يستحضره تلك المحاضرة التي أقامها حول الديمقراطية في الإسلام كما يقول
الحاج بأنه التقى بالشيخ \"البشيرالإبراهيمي\" والعربي
التبسي\" و\"فرحات عباس\" في ليبيا وبنغازي
لمدة أسبوع من أجل الذهاب إلى الحجاز إلا أن تلك الفترة تزامنت مع الحصار
المقام عام 1955.

واتخذ من منزله معلما تاريخيا
وأول ما يلفت انتباهك بمنزل الحاج تستهويك تلك الآثار التاريخية فهو عبارة
متحف تاريخي جمع فيه التراث الأصيل للمنطقة لما تحمله هاته الآثار من
أهمية بالغة نظرا لأن أغلب المعالم سواء كانت تاريخية أو أثرية تحتفظ لنا
بالذاكرة الجماعية التي تعكس لنا منجزات من سبقونا في هذه المنطقة الطيبة
وعليه فإن هاته الآثار تعد كنزا فنيا من فنون أجدادنا فلا شك أن الكل
اليوم يدرك مستوى التحدي الواجب علينا رفعه للحفاظ على مقوماتنا وتراثنا
لا سيما وأننا اليوم نرى حضارات بأكملها تتلاشى مما سبب فقدان الكثير منها
بقصد أو بغير قصد وذهبت دون رجعة ومن هنا ندرك ضرورة الإسراع في الحفاظ
على ثرواتنا الثقافية الأصيلة التي هي أساس وجودنا وعقيدة فكرنا وتوازن
مجتمعنا ،وانطلاقا من هذا يرى الحاج من الواجب علينا أن نسلم لكل الأجيال
القادمة هذا الإرث الثقافي بكامل أصالته وتراثه وجماله وتعاليمه لمجابهة
تحديات الألفية الجديدة التي ألحقت أضرارا كبيرة بالمعالم التاريخية .
وبفضل ذلك لقيت عددا كبيرا من الآثار القديمة التي أشرفت على الإنهيار
والدمار حفظا جيدا ومنزل الحاج عبارة عن مؤسسة ثقافية تضم معرضا للآثار
القديمة، وهذه أهم الآثارالتي تعبر عن المسار الذي اختاره الحاج منها متحف
للعملات تحوي النقود المعدنية والقطع الأثرية إضافة إلى بعض وسائل النسيج
التي كان يستعملها أجدادنا كالخلخال والقرداشة ،كما يعرض أيضا بعض وسائل
التمريض التي كان يستعملها أثناء قيامه بهذه المهنة النبيلة ومن أهمها
وسائل التخذير، يحوي المتحف كذلك آلات تصوير فوتغرافية قديمة ومكتبة تضم
كتب التاريخ والطب التي تعبر عن المسار الذي اختاره الحاج ،أما الزربية
المعروضة في منزله فهي زربية تقليدية إضافة إلى اللوحات الفنية التشكيلية
المعروضة على جدران الغرفة وأبرزها صورة أعضاء جمعية العلماء المسلمين
الجزائريين وصورتبرز القباب التي تميز منطقة سوف إضافة إلى كميات ضخمة من
الآثار والتحف الشعبية .
كل هذا يعمل على صيانة وإنقاذ وحماية وترميم المعالم والآثار التاريخية
،كما يحكي تاريخ الجزئر بالوثائق والصور،إضافة إلى كونه وسيلة ربط بين
الماضي والحاضر أي أنه معبر عن الهوية الوطنية ويراعي بقاء هذه الآثار
وتمنع من العبث فيها ليبقى تاريخا يتنبه به على الأحقاب، والمؤسف أن يكون
ذلك التراث حتى وقت قريب مضى عرضة للضياع والهدم وبالتالي الاندثار،وعليه
فإن الحاج يدعو إلى تضافر الجهود لحفظ وصيانة مابقى منها خدمة للأجيال.
كان واقفا إلى جوار المرضى إبان الإستعمار الفرنسي
وإذاكانت مدينة الألف قبة وقبة التي تحمل في ثناياها مدينة الألف طبيب
وطبيب ولا حصر ولارقم يمكن أن يضاهي جودة الإبداع والإبتكار في كل مجال له
اعتبارفقد مارس الحاج مهنة الطب منذ 20-02-1940 عند ما اتصل به ابن عمه
الذي يعمل في مستشفى الوادي طلب منه الإلتحاق بالمستشفى للعمل لوجود منصب
عمل جديد وقدم له المسؤول عن المستشفى اللباس الخاص بالعمل إلا أنه في
بداية المشوار لم يتأقلم مع العمل لتأثره بمناظر الجروح التي كانت تسبب له
حالات الإغماء التي لم يتعرض لها مسبقا في حياته ،فتأرجح رأيه بين البقاء
أومغادرة العمل،وفي النهاية استقر رأيه على مواصلة هاته المهنة لأنه من
الصعب أن يجد منصب عمل آخروبدأ شيئا فشيئا يتعود على ذلك،و لعل هذه المهنة
اكسبته خبرة وتجربة في الحياة إذ خالط الناس من كل الأقاليم والمشارب
والاتجاهات وتعامل مع الناس على اختلاف مستوياتهم لأنها رسالة نبيلة داخل
المجتمع من خلال تأدية مهامه كأحد أفراد المجتمع يتقاسم معه نفس الهموم
والخصوصيات ويعاني ما يعانيه من مشاكل مختلفة فهو طبيب يحمل في عقله الهم
العام وفي قلبه الهم لكل الناس من أشهر أطباء المنطقة إبان الإستعمار
الفرنسي ويظهر دوره في الوقوف إلى جوار المريض من خلال تأهية الجو المناسب
لإبلاغه بمثل هذا التشخيص وإعطائه الفرصة للتعبير عن الشحنات التي أمتلأ
بها صدره ،فيتجاوز بذلك إلى ما هو أهم وأنفع وأحوج بالنسبة لمريضه فيهتم
بهذا القلب المتعب الذي أنهكه المرض فيحاول أن يبذل ما بوسعه لخدمة مريضه.
وعند مرحلة تشخيص المريض هنا تكون الصدمة الأولى لهذا المريض وهنا يكتشف
مدى ضعفه وفقره إلى رب العالمين كما تتضح له حقيقة الصحة والعافية فيأخذ
بيده ويرفق به،يستمع لأناته ويمسح بدمعاته،كما يضيف الحاج بأنه كان يتجنب
إفشاء سر المريض لأنه أمانة بين يديه ،كما يرى في المريض ألوانا من
الانفعالات فمرة قد يكون صابرا شكورا ومرة متذمرا متألما ومرة مكتئبا
حزينا فينظر إليهم نظرة قلب مشفق ويصبرعلى ما قد يسمعه منهم فإن بعض
المرضى قد يبدأ بإلقاء شكوى على ممرض ليس سوى تنفسيا لذلك فإنه من الصعب
التخلي عن هذه المهنة النبيلة نظرا لأهميتها البالغة من حيث جانب
الإنسانية كما يقول الحاج إذ قربته من الواقع المعاش،بالإضافة إلى كون
الأطباء الأجانب واليهود غير مؤهلين لتأدية هذه المهنة خاصة في الجانب
التطبيقي،فالطب أم الصحة كلها.

الحاج عبد الحميد نجاح أول طيار في الجنوب الجزائري
بعد خبرة
دامت 10 سنوات في الطب ليتمكن العقل بعدها من اختراق الأفاق وتبديد الحجب
التي ترين عليه بعد أن التحق بأول نادي لتعليم الطيران بالوادي عندما
تأسست الخطوط الجوية الجزائرية على الرغم من الفقرعلى اعتبار مهنته كممرض
لا تعينه على شيء وكان نصيب الحصة الواحدة من التعليم في الطيران ب4000
فرنك وكان التحدي كبيرا قصد التعلم لأنه الجزائري الوحيد ضمن فرنسيين
وأجانب إذ تحصل على أول رخصة قيادة الطائرات الصغيرة في 07-06-1952ببسكرة
ليصبح بذلك أول طيار في الجنوب الجزائري وفي تلك الفترة لم يكن المطار
موجودا إذ كانت الطائرات تنزل على الرمل إلا أن هذا النادي عرقل من طرف
الإدارة الفرنسية كونه أصبح أداة في يد المعمرين للجوسسة على الجزائريين
والثوار ومراقبة تحركاتهم مما أدى به إلى الإنسحاب منه وبقي يمتهن في
وظيفته الأساسية وهي الطب حتى التقاعد في سنة 1984، كان عضوا في الطيران
الجزائري منذ 1950،إبان الإستقلال أقيم على شرفه احتفال من طرف الإتحادية
الجزائرية للرياضات الجوية وجه الحاج من خلالها كلمة إلى جيل الإستقلال
النابض بالحياة من بناة مستقبل هذا الوطن.
كان عضوا مؤسسا لفريق ألمبي الوادي
الحاج نجاح ناجح وطموح في جميع الميادين وعلى رأسها الرياضة أين كانت
الرياضة في منطقة سوف في فترة الأربعينات تمارس في ثلاث مدارس بالوادي
وكوينين وقمار فقد كانت الرياضة المدرسية النواة الأولى لتأسيس فريق ألمبي
الوادي من طرف قامة شامخة من أبناء منطقة سوف من بينهم الحاج عبد الحميد
نجاح رفقة مجموعة من الرياضيين الذين جادت بهم منطقة سوف
\"كسروطي براهيم\" ،\"محمودي عبد
المجيد\"،\"محمودي رشيد\"،\"حدانة
حفناوي\"،\"عمراني سعد\"،\"دية
بوبكر\"،\"فريزي ريمون\"،\"شريفي
أحمد عمار\"،\"جون استراد\"،\"هقي
أحمد\"،\"حاشي الجيلاني\"،اجتمعوا يوم
10-01-1947بنزل الكثبان لتأسيس هذا النادي الذي ألحق بالرابطة الرياضية
لقسنطينة إلا أنه عرقل من طرف الإدارة الفرنسية إذ اعتبرته سنة
1959كمجموعة سياسية مسيرة من طرف الثورة وتعمل لصالح تحرير الوطن ،كما
أنشأت عدة فرق لتفريق الشباب عن القضية السياسية وإحداث المنافسة والشحناء
بينهم بعد حل الألمبي الذي كان يجمع الجميع مما غير وجهتهم إلى كرة السلة
وكرة اليد،كما لعبت كرة التنس في مدارس الولاية سنة 1932وجاءت فكرة تأسيس
فريق ألمبي الوادي عندما بدأو في اللعب مع الإسبان والأروبيين ويوجد معهم
لاعب فرنسي وهو \"فيرناند\" ،أما فكرة تسمية الفريق فقد
جاءت عندما قابلوا فريق تقرت أين أطلق عليه اسم فريق ألمبي الوادي،كما
قابلوا بعدها فريق باتنة وعدة فرق أخرى في أماكن أخرى وأجريت مسابقة
رياضية في بسكرة ل 6فرق،أما عن ألوان الفريق فهي البرتقالي والأسود ويرمز
البرتقالي إلى طلوع الشمس وإلى ميلاد جزائر مستقلة حرة، أما االون الأسود
يرمز إلى الحقبة الإستعمارية .
وأهم المقابلات التي أجراها الفريق أثناء الثورة مقابلة ضمته مع الفريق
العسكري بالفوز لصالح الألمبي ،استأنف الفريق نشاطه في 19 مارس 1962،ويقول
الحاج بأنه يملك مستلزمات كرة التنس ويعد بأن يدعم بها الولاية إذا تأسست
كرة التنس بالولاية.

ويضيف الحاج بأنه الوحيد على مستوى منطقة سوف يملك سيارة ودراجة نارية
إبان الحرب العالمية الثانية وكذلك الراديو حيث كان يستمع للإذاعة من
مذياع اشتراه سنة 1942 من الجزائر العاصمة عندما ذهب إلى إحدى المصحات
الخاصة مع أحد الأطباء أين كانت الحرب العالمية الثانية في أوجها إذ كانت
منطقة سوف تنتظر الألمان لتحريرهم من المستعمر وكانت وقتها إذاعة يونس
بحري يحث الناس على الفرنسيين وكان يدعم الألمان فحتى حاكم البلاد كان
يستمع للإذاعة عنده وكذلك الممرضات لانعدام الكهرباء وقتها وكان يشتغله
بالبطرية ،إلا أن جهاز المذياع لم يمكن من بث إذاعات الخارج فأراد أن
يصلحه فذهب إلى يهودي في قسنطينة يقوم بهذه الوظيفة لأجل إصلاحه وتوجد
وقتها دورية في قسنطينة وأثناء عودته بسيارته بعد خروج شاحنات الإيطاليين
لأجل حمايتهم وعند وصوله إلى بلدية الحمراية قام بتجريبه فوجده معطل
فاستنكر لذلك وأعاده مرة أخرى إلى قسنطينة عبر شاحنة لإعادة إصلاحه،وفي
إحدى المرات عثر على إعلان في جريدة نصه يقول بأنه من أراد أن يتعلم مهنة
يرغب فيها فما عليه إلا الإتصال بإحدى المؤسسات تزوده ببعض الأجهزة
المناسبة لمهنته بتخفيض ماقيمته10بالمائةعلى أن يكون دفع الإشتراك شهريا
،فاستغل هذه الفرصة لشراء مستلزمات جهاز الراديو،ومن ذلك الوقت أصبح يعتمد
على نفسه في تصليح أجهزة المذياع إلى غاية ظهور الكهرباء سنة 1948وفتح
مستودع لتصليح أجهزة المذياع إلى غاية ظهور الكهرباء سنة 1948وقتح مستودع
لتصليح أجهزة المذياع إضافة إلى وظيفته الأساسية كممرض في مستشفى الوادي
ليتفرغ حاليا إلى المطالعة خاصة في مجال الطب .

وأخيرا نأمل أن يسد نشر هذا البورتري فراغا كبيرا وأن يضيف شيئا إلى
الساحة الثقافية بالولاية المحسوبة وطنيا من الولايات الناشطة
ثقافيا،فمهما طال التكلم عن هذه الشخصية الفريدة من نوعها يعد اجحافا في
حقه فهو كبير كبر طموح المثقفين بالولاية،ويبقى الحاج مرجعية مهمة لو وجد
الدعم والمساعدة من طرف أعيان المنطقة تعينه على حفظ التاريخ.

لقاء مع الشيخ عبد الحميد نجاح ..تجربة حياة مليئة بالنجاح 1

لقاء مع الشيخ عبد الحميد نجاح ..تجربة حياة مليئة بالنجاح 1

المصدر