فقال: فيه أهل الكبائر من أمتك الذين ماتوا و لم يتوبوا . فخَرّ
النبي صلى الله عليه وسلم مغشيّاً عليه، فوضع جبريل رأسه على حِجْرِه حتى
أفاق، فلما أفاق قال عليه الصلاة و السلام
( يا جبريل عَظُمَتْ مصيبتي
، و اشتدّ حزني ، أَوَ يدخل أحدٌ من أمتي النار ؟؟؟ ))
قال: نعم ، أهل الكبائر من أمتك . ثم بكى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، و بكى جبريل و دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله و احتجب
عن الناس ، فكان لا
يخرج إلا إلى الصلاة يصلي و يدخل و لا يكلم أحداً، يأخذ في الصلاة يبكي
و يتضرّع إلى الله تعالى .
فلما كان اليوم الثالث ، أقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى وقف بالباب
و قال: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة، هل إلى رسول الله من سبيل ؟
فلم يُجبه أحد فتنحّى باكياً. .
فأقبل عمر رضي الله عنه فوقف بالباب و قال: السلام عليكم يا أهل
بيت الرحمة، هل إلى رسول الله من سبيل ؟ فلم يُجبه أحد فتنحّى يبكي.
فأقبل سلمان الفارسي حتى وقف بالباب و قال: السلام عليكم يا أهل
بيت الرحمة، هل إلى مولاي رسول الله من سبيل ؟ فأقبل يبكي مرة، ويقع
مرة،ويقوم أخرى حتى أتى بيت فاطمة ووقف بالباب ثم قال: السلام عليك
يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وكان علي رضي الله عنه غائباً
فقال: يا ابنة رسول الله ، إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احتجب
عن الناس فليس يخرج إلا إلى الصلاة فلا يكلم أحداً و لا يأذن لأحدٍ في
الدخول .
فاشتملت فاطمة بعباءة قطوانية و أقبلت حتى وقفت على باب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم سلّمت و قالت :يا رسول الله أنا فاطمة ، ورسول
الله ساجدٌ يبكي، فرفع رأسه و قال: (( ما بال قرة عيني فاطمة حُجِبَت
عني ؟ افتحوا لها الباب ))
ففتح لها الباب فدخلت ، فلما نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بكت بكاءً شديداً لما رأت من حاله مُصفرّاً متغيراً قد ذاب لحم وجهه من
البكاء و الحزن ، فقالت: يا رسول الله ما الذي نزل عليك ؟!
فقال
( يا فاطمة جاءني جبريل و وصف لي أبواب جهنم ، و أخبرني أن في
أعلى
بابها أهل الكبائر من أمتي ، فذلك الذي أبكاني و أحزنني ))
قالت: يا رسول الله كيف يدخلونها ؟! قال: (( بلى تسوقهم الملائكة إلى
النار ، و
لا تَسْوَدّ وجوههم ،و لا تَزْرَقّ أعينهم ، و لا يُخْتَم على أفواههم ، و لا
يقرّنون مع
الشياطين ، و لا يوضع عليهم السلاسل و الأغلال ))
قالت: يا رسول الله كيف تقودهم الملائكة ؟!
قال: (( أما الرجال فباللحى، و أما النساء فبالذوائب و النواصي
.. فكم من ذي شيبةٍ من أمتي ُقبَضُ على لحيته وهو ينادي:واشَيْبتاه
واضعفاه ، و كم من شاب قد
قُبض على لحيته ، يُساق إلى النار وهو ينادي: واشباباه واحُسن صورتاه
، و كم من امرأة من أمتي قد قُبض على ناصيتها تُقاد إلى النار و هي
تنادي: وافضيحتاه واهتك
ستراه ، حتى يُنتهى بهم إلى مالك ، فإذا نظر إليهم مالك قال للملائكة:
من هؤلاء ؟ فما ورد عليّ من الأشقياء أعجب شأناً من هؤلاء ، لم تَسْوَدّ
وجوههم ولم تَزرقّ أعينهم و لم يُختَم على أفواههم و لم يُقرّنوا مع
الشياطين و لم توضع السلاسل و الأغلال في أعناقهم !!
فيقول الملائكة: هكذا أُمِرنا أن نأتيك بهم على هذه الحالة .
فيقول لهم مالك: يا معشر الأشقياء من أنتم ؟!
وروي في خبر آخر : أنهم لما قادتهم الملائكة قالوا : وامحمداه ، فلما
رأوا مالكاً نسوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من هيبته ، فيقول لهم
:من أنتم؟ فيقولون: نحن ممن أُنزل علينا القرآن،ونحن ممن يصوم رمضان
.
فيقول لهم مالك: ما أُنزل القرآن إلا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم
،فإذا سمعوا اسم محمد صاحوا : نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
فيقول لهم مالك : أما كان لكم في القرآن زاجرٌ عن معاصي الله تعالى ..
فإذا وقف بهم على شفير جهنم،ونظروا إلى النار وإلى الزبانية
قالوا:يا مالك ائذن لنا نبكي على أنفسنا ، فيأذن لهم ، فيبكون
الدموع حتى لم يبق لهم دموع ، فيبكون الدم ، فيقول مالك:ما أحسن
هذا البكاء لو كان في الدنيا،فلو كان في الدنيا من خشية الله ما
مسّتكم النار اليوم .
فيقول مالك للزبانية : ألقوهم .. ألقوهم في النار فإذا أُلقوا في
النار نادوا بأجمعهم : لا إله إلا الله ، فترجع النار عنهم ، فيقول
مالك: يا نار خذيهم، فتقول : كيف آخذهم و هم يقولون لا إله إلا
الله؟ فيقول مالك: نعم، بذلك أمر رب العرش، فتأخذهم ، فمنهم
من تأخذه إلى قدميه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه
إلى حقويه، ومنهم من تأخذه إلى حلقه، فإذا أهوت النار إلى وجهه قال
مالك:لا تحرقي وجوههم فطالما سجدوا للرحمن في الدنيا، و لا تحرقي قلوبهم
فلطالما عطشوا في شهر رمضان . فيبقون ما شاء الله فيها ، ويقولون:
يا أرحم الراحمين يا حنّان يا منّان، فإذا أنفذ الله تعالى حكمه قال:يا
جبريل ما فعل العاصون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فيقول:اللهم
أنت أعلم بهم . فيقول انطلق فانظر ما حالهم فينطلق جبريل عليه
السلام إلى مالك و هو على منبر من نار في وسط جهنم، فإذا نظر مالك
على جبريل
عليه السلام قام تعظيماً له ،فيقول له يا جبريل : ماأدخلك هذا
الموضع ؟ فيقول: ما فَعَلْتَ بالعصابة العاصية من أمة محمد ؟ فيقول
مالك: ما أسوأ حالهم و أضيَق مكانهم،قد أُحرِقَت أجسامهم، و أُكِلَت
لحومهم،وبقِيَت وجوههم و قلوبهم يتلألأ فيها
الإيمان .
فيقول جبريل: ارفع الطبق عنهم حتى انظر إليهم . قال فيأمر مالك
الخَزَنَة فيرفعون الطبق عنهم، فإذا نظروا إلى جبريل وإلى حُسن خَلقه،
علموا أنه ليس من ملائكة العذاب فيقولون : من هذا العبد الذي لم
نر أحداً قط أحسن منه ؟ فيقول مالك : هذا
جبريل الكريم الذي كان يأتي محمداً صلى الله عليه وسلم بالوحي ، فإذا
سمعوا ذِكْر محمد صلى الله عليه وسلم صاحوا بأجمعهم: يا جبريل أقرئ محمداً
صلى الله عليه وسلم منا السلام، وأخبره أن معاصينا فرّقت بيننا
وبينك، وأخبره بسوء حالنا .
فينطلق جبريل حتى يقوم بين يدي الله تعالى ، فيقول الله تعالى:كيف رأيت
أمة محمد؟ فيقول: يارب ما أسوأ حالهم و أضيق مكانهم .
فيقول: هل سألوك شيئاً ؟ فيقول: يا رب نعم، سألوني أن أُقرئ نبيّهم
منهم السلام و أُخبره بسوء حالهم فيقول الله تعالى : انطلق فأخبره .
فينطلق جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في خيمة من درّة بيضاء
لها أربعة آلاف باب، لكل باب مصراعان من ذهب ، فيقول: يا محمد قد
جئتك من عند العصابة العصاة الذين يُعذّبون من أمتك في النار ، وهم
يُقرِئُونك السلام ويقولون ما أسوأ حالنا،وأضيق مكاننا .
فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم إلى تحت العرش فيخرّ ساجداً ويثني على
الله
تعالى ثناءً لم يثنِ عليه أحد مثله ..فيقول الله تعالى : ارفع رأسك ، و
سَلْ تُعْطَ ، و اشفع تُشفّع .
فيقول: (( يا رب الأشقياء من أمتي قد أنفذتَ فيهم حكمك وانتقمت
منهم، فشفّعني
فيهم ))
فيقول الله تعالى : قد شفّعتك فيهم ، فَأْتِ النار فأخرِج منها من قال لا
إله إلا الله . فينطلق النبي صلىالله عليه وسلم فإذا نظر مالك النبي
صلى الله عليه وسلم قام تعظيماً له فيقول
( يا مالك ماحال أمتي
الأشقياء ؟! ))
فيقول: ما أسوأ حالهم و أضيق مكانهم
. فيقول محمد صلى الله عليه وسلم : (( افتح الباب و ارفع الطبق ))
، فإذا نظر
أصحاب النار إلى محمد صلى الله عليه وسلم صاحوا بأجمعهم فيقولون:يا
محمد ، أَحْرَقت النار جلودنا و أحرقت أكبادنا، فيُخرجهم جميعاً و قد
صاروا فحماً قد أكلتهم النار فينطلق بهم إلى نهر بباب الجنة يسمى نهر
الحيوان ، فيغتسلون منه فيخرجون منه شباباً جُرْدَاً مُرْدَاً مُكحّلين و كأنّ
وجوههم مثل القمر ، مكتوب على جباههم "الجهنّميون عتقاء الرحمن من
النار" ،فيدخلون الجنة فإذا رأى أهل النار
أن المسلمين قد أُخرجوا منها قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين وكنا نخرج
من النار، وهو قوله تعالى :" رُبّمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفََرَواْ لَوْ كَانُواْ
مُسْلِمِينَ " [ الحجر:]
*و عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( اذكروا من النار ما شئتم، فلا تذكرون شيئاً إلا وهي أشد منه ))
* و قال: (( إنّ أَهْوَن أهل النار عذاباً لَرجلٌ في رجليه نعلان من نار
، يغلي منهما دماغه، كأنه مرجل، مسامعه جمر، وأضراسه جمر، و
أشفاره لهب النيران، و تخرج أحشاء بطنه من قدميه ، و إنه لَيَرى أنه
أشد أهل النار عذاباً، و إنه مِن أهون أهل
النار عذاباً ))
وعن ميمون بن مهران أنه لما نزلت هذه
الآية : " وَ إِنَّ جَهَنّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ "[ الحجر:43 ]
وضع سلمان يده على رأسه و خرج هارباً ثلاثة أيام ، لا يُقدر عليه حتى
جيء به .
اللهم أَجِرْنَا من النار . اللهم أجرنا من النار .. اللهم أجرنا من
النار ..اللهم أَجِر كاتب هذه الرسالة من النار ..اللهم أجر
قارئها من النار اللهم أجر مرسلها من النار . اللهم أجرنا
والمسلمين من النار
آمين . آمين . آمين.