مقدمة:
منذ بدء الخليقة على الأرض والانسان يواجه مشكلة تتمثل في أن رغباته عديدةو متزايدة وغير محدودة
, فقد يحصل الفرد على كل حاجاته في الوقت الحاضر , ولكن رغبة الأفراد فيطلب حاجات جديدة بمجرد انتهائهم من اشباع حاجاتهم القديمة أمر معروفسيكولوجيا. فحاجات الأفراد تزداد مع مرور الزمن واتصفت بأنها غير نهائية...مما ترتب عليها أن الموارد الموجودة في المجتمع لا تعد كافية لمقابلة
تلك الاحتياجات , ومن هنا ظهرت المشكلة الاقتصادية كما ظهر علم الاقتصاد - قرين المشكلة الاقتصادية- محاولا دراسة المشكلة وحلها.
ومن هنا يمكن طرح الاشكالية التالية:
- ما طبيعة المشكلة الاقتصادية وما أبعادها ؟
- ما هي أهم المشكلات الاقتصادية؟
- ماهي حلول المشكلة الاقتصادية ؟
المبحث الأول:طبيعة وأبعاد المشكلة الاقتصادية
المطلب الأول : طبيعة المشكلة الاقتصادية
تتمثل المشكلة الاقتصادية في أي مجتمع, مهما كان نظامه الاقتصادي أوالسياسي , في كيفية توزيع الموارد النادرة بين الاستعمالات المختلفة , ذلكأن الموارد المتاحة في أي مجتمع لن تكفي باستمرار لتلبية واشباعالاحتياجات البشرية المتعددة, أي أنه يمكن تحليل عناصر المشكلة الاقتصاديةالى ثلاثة عناصر أساسيية : أولهما يتمثل في الندرة النسبية للمواردالاقتصادية والثاني يتمثل في تعدد الحاجات البشرية والعنصر الثالث يتمثلفي الاختيار .
وتتميز المشكلة الاقتصادية بصفة العمومية فهي تواجه الفرد كما تواجهالجماعة .بل هي تواجه كل المجتمعات سواء كانت متقدمة أو متخلفة... زراعيةأم اقتصادية...رأسمالية أم اشتراكية.فالمشكلة لا تختلف في أسبابها و لاعناصرها من مجتع لاخر , أما الذي يختلف فهو طريقة حلها .
المطلب الثاني: أسباب المشكلة الاقتصادية
من الممكن حصر أسباب حدوث المشكلة الاقتصادية في ثلاثة أسباب رئيسة وهي:
أ- الندرة النسبية للموارد الاقتصادية: ان سبب ظهور المشكلة الاقتصادية هوالندرة. فالانسان عندما يشعر بالحاجة ويفتقد في الوقت نفسه وسيلة لاشباعهافانه سيعتقد أن سبب مشكلته هو الندرة الا أن مايحتاجه من سلع وخدمات لايأتي من العدم , بل الأمر يتطلب ضرورة توافر ومساهمة مجموعة من العواملمعا,هي عوامل الانتاج ,خلال عملية معينة هي عملية الانتاج وأن هذه العواملهي التي أصلا نادرة.اذا تظهر المشكلة الاقتصادية أساسا نتيجة ندرة عواملالانتاج سواء ما كان منها هبة من هبات الطبيعة أو نتاج عن جهود الانسانوغير خاف أن ماتهبه الطبيعة من خيرات ليس متاحا في كل مكان بالقدر اللازمولا بالصورة المرغوبة.فنجد مجتمعات منحتها الطبيعة فيضا من المواد الأوليةفي الوقت الذي يعاني فيه من ندرة رأس المال أو العمل وكلاهما مطلوب لتجهيزالمواد الاولية بحيث تصبح صالحة
لاشباع رغبات الانسان. لذلك وجب على الانسان أن يبذل جهده وفكره في كل لحضة ولا بد عليه الانتظار حتى تؤتي جهوده ثمارها.
ويعود عجز الموارد الاقتصادية عن اشباع جميع الحاجات الانسانية الى الأسباب التالية :
- أن المورد الاقتصادي موجود ولكن قليل نسبيا بسبب عدم الاستغلال الأمثللهذا المورد أو لسوء استغلال هذا المورد, وتمتاز كثير من المواردالاقتصادية بقابليتها للنفاذ بسبب الاستخدام الجائر.
- زيادة عدد السكان بنسبة أكبر من الزيادة في حجم الانتاج ,وبالتالي يؤديهذا الى ندرة نسبية للموارد المستخدمة كوسيلة لاشباع الحاجات الانسانية.
ب- كثرة الحاجات الانسانية وتعددها وتطورها وتزايدها:
من المعروف أن للانسان ومنذ بدء الخليقة مجموعة من الحاجات التي يهدف الىاشباعها ,وكلما أشبع حاجة تولد لديه حاجة أخرى بحاجة الى اشباع . وتعرفالحاجة الانسانية بأنها (الرغبة التي يسعى الانسان الى اشباعها).وتقسم هذهالحاجات الى نوعين:
وهي مجموع الرغبات الانسانية التي تحتمل التأجيل في اشباعها , على اعتبار أنها لا ترتبط بأن يكون الانسان أو لا يكون على قيد الحياة.
وتمتاز الحاجات الانسانية بمجموعة من الخصائص مثل:
الحاجات الانسانية متزايدة ,وتتزايد هذه الحاجات مع تزايد المواليد.
الحاجات الانسانية متطورة,وتتطور الحاجة مع التقدم الفني والتكنولوجي الذي يحدث على وسائل اشباع الحاجات .
الحاجات الانسانية متكررة, وتتكرر الحاجة مع تكرارو تعاقب الأجيال , فحاجة أجدادنا للغداء هي نفس حاجاتنا له مع اختلاف نوع الغداء.
الحاجات الانسانية متجددة,وتتجدد الحاجة مع الاكتشافات و الاختراعات الجديدة التي يقوم بها الانسان.
ج- الاختيار اذا كانت الندرة هي سبب المشكلة التي يعيشها الانسان, فانالاختيار هو بالتأكيد السبب الذي يجعل منها مشكلة اقتصادية بالذات وليستتقنية.فالاختيار وهو عملية تنطوي على الرشد يتمثل في القيام بموازنةمنفعية حرة بين بدائل ممكنة مختلفة , لاختيار أفضل بديل ممكن.وبالطبع لنتكون هناك فرصة للقيام بعملية الاختيار ما لم تكن رغبات وحاجات و تفضيلاتالانسان متعددة وبهذا تكون المشكلة الاقتصادية بالفعل هي مشكلة اقتصاديةفحاجات الانسان متعددة متجددة و متزايدة.
وبالطبع لو اختفت الندرة لاختفت المشكلة... ولو لم تتعدد الحاجات لما كانهناك مجال للاختيار وبالتالي لما كانت المشكلة الاقتصادية بل تصبح مشكلةفنية تكنولوجية
المطلب الثالث: المشكلات الاقتصادية الاساسية
يمكن حصر المشكلات الاقتصادية الاساسية بالاسئلة الاتية:
المشكلة الأولى : ما السلع التي تنتج وما كميتها ؟ (ماذا تنتج)والسؤاليتعلق بالمثال السابق حول مشكلةالاختيار,وبمعنى اخر أنها مشكلة توزيعالموارد النادرة على الاستخدامات المختلفة,وتتطلب هذه المشكلة معرفةمعايير تخصيص الموارد.
وكما سبق القول فان جهازالثمن يعد الاداة في توزيع الموارد بينالاستخدامات المختلفة في نظام المنافسة التامة. في حين توكل هذه المهمةالى الأجهزة التخطيطية في الاقتصادات الاشتراكية.
المشكلة الثانية : ما هي طرق انتاج هذه السلع ؟(كيف تنتج).
يعكس هذا السؤال ان هناك أكثر من طريقة لانتاج سلعة ما,فعلى سبيل المثالهل تنتج محصول القطن بتكثيف رأس المال في استخدام الماكنات والألاتالزراعية أم انتاج نفس كمية المحصول من خلال تكثيف العمل باستخدام الأيديالعاملة بالعمليات المزرعية المختلفة,وهذا يتوقف على ماهية العناصر التيتتصف بالندرة رأس مال أم العمل؟
المشكلة الثالثة :كيف يتم توزيع السلع والخدمات المنتجة على أفراد المجتمع؟ (لمن).
ان توزيع الناتج القومي بين أفراد المجتمع يحظى باهتمام الاقتصاديين, وهذاالجانب من المشكلة متعلق بمدى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية فيمجتمعات المنافسة التامة ونتائج هذا التدخل .وقد انعكس هذا التدخل في صورةالحد الأدنى للأجور أو ضريبة الدخل.وتتعلق هذه الجوانب بنظرية التوزيع.
المشكلة الرابعة : هل الموارد الاقتصادية للمجتمع موظفة بصورة كاملة أم أن بعضها عاطل ؟
ان عدم تشغيل بعض الموارد يؤدي الى ضياع الثروة على المجتمع ؟ وقد يبدواذلك غريبا بعض الشيء فكيف تكون الموارد نادرة وكذلك تتسم بعدم التشغيل ؟
ان احدى خصائص اقتصاديات السوق أن مثل هذا الضياع قد يحدث , ولهذا قد تسودفي هذه الاقتصاديات بطالة في العمل وأن هناك عمالا يرغبون في العمل ولايجدونه.
المشكلة الخامسة :ما مدى الكفاية في استخدام الموارد الاقتصادية؟
وهذا يعني هل الانتاج كاف ؟ وهل التوزيع كاف؟وهي مسالة مرتبطة بامكانيةاعادة تلخيص الموارد للحصول على انتاج أكبر من سلعة معينة بالموارد السابقاستخدامها دون التأثير في انتاج السلع الاخرى. كما أن الاجابة عن مشكلةالتوزيع تشير : هل بالامكان اعادة توزيع الانتاج الحالي بين أفراد المجتمع
على نحو يؤدي الى زيادة رفاهيتهم أو تحسين رفاهية بعض الأفراد ودون الاضرار أو التأثير على مستوى رفاهية بقية الأفراد في المجتمع؟
المشكلة السادسة :هل القوة الشرائية للنقود ثابتة أو أنها تتسم بالتضخم؟
والمقصود بالتضخم الارتفاع المستمر في الاسعار وارتفاع الأسعار معناهانخفاض القوة الشرائية للنقود ,وأحد أسباب التضخم هو زيادة كمية النقود فيالاقتصاد بمعدل أسرع من زيادة الناتج القومي.
المشكلة السابعة: هل يتزايد الانتاج القومي من السلع والخدمات أم أنه ثابت على مر الزمن؟
فالمقدرة الانتاجية تنمو بسرعة في بعض الدول الأخرى مما يترتب عليه زيادةالفجوة بين مستويات المعيشة بين المجموعتين من الدول . ويمكن القول أنالمشكلات الاقتصادية قائمة في المجتمعات كافة الا أن سيادتها بصورةمتفاوتة أو أن احداها أعمق في تأثيرها من الأخرى في الاقتصادالقومي,فالمجتمعات التي تعتمد على ألية السوق تركز على مشكلة ندرة المواردالطبيعية في حين تركز المجتمعات الاشتراكية على شكل علاقات الانتاج ومشكلةالتوزيع.
المطلب الرابع : الندرة والاختيار وتكلفة الفرصة البديلة
تتميز الموارد الانتاجية بأن استخداماتها بديلة متعددة.فالأرض يمكن أنتستخدم في الزراعة أو في بناء المشروعات أو في تشييد المساكن. وحتى اذاقررنا استخدامها في الزراعة فاننا يمكن أن نزرعها قمحا أو
شعيرا أو قطنا . وهكذا يمكن تصور وجود العديد من الاستخدامات البديلة(المتنافسة) لكل عنصر انتاجي .وتعرف عملية توزيع الموارد الانتاجية علىاستخداماتها المختلفة باسم مشكلة تخصيص الموارد .
وحيث أن موارد الانتاج تتميز بصفة عامة بأنها نادرة ومحدودة فان أي مجتمعسوف يحاول دائما الوصول الى ذلك التخصيص الأمثل لموارده المحدودة .ونقصدبالتخصيص الأمثل للموارد ذلك الشكل أو النمط الذي تكون فيه المواردالانتاجية الموظفة قد استخدمت بأفضل طريقة ممكنة تؤدي الى الحصول على أقصىقدر ممكن من الانتاج وبحيث أن أي نمط اخر خلافه لا بد أن يترتب عليهانخفاض حجم الناتج المتحصل عليه.غير أن ندرة الموارد لا تملي فقط ضرورةالاستخدام الكامل والأمثل لهذه الموارد,بل تؤدي الى ضرورة الاختياربينالرغبات المتعددة لأفراد المجتمع لتحديد ما يتعين انتاجه منها على ضوءالقدر المحدود المتاح من الموارد.أي أن الندرة هي التي تولد الاختيار وعندالقيام بعملية اختيار هدف أو أهداف معينة لا بد أن نضحي بهدف أو أهدافأخرى في مقابل ذلك.فدائما لا بد أن تحل شئ محل شيئ اخر طالما أن مواردنانادرة ومستخدمة بالكامل.
وبالطبع لا بد أن هناك عددا كبيرا من الاختيارات يتعين على المجتمع القيامبها عندما يقرر تخصيص موارده المتاحة النادرة لانتاج ما يرغبه من طيباتالحياة.حيث تقترن التضحية بالاختبار والتضحية المترتبة على اختيار بديلمعين تمثل في الحقيقة تكلفة هذا الاختيار. فعندما نريد معرفة التكلفة التييتحملها المجتمع بصدد تنفيذ قرار معين, فاننا نحسبها بما يساوي ما ترتبعليه من التضحية بعدم تنفيذ قرار اخر.
ان وجود قدر معين من الموارد الاقتصادية يعني وجود فرص لانتاج كمياتمختلفة من بعض السلع و الخدمات المختلفة ومن ثم فان تكلفة انتاج قدر معينمن أحد المنتجات البديلة الممكنة تساوي أقصى قدر ممكن انتاجه من منتج أومتجات أخرى باستخدام نفس القدر من الموارد و تعرف التكلفة المحتسبة باسمتكلفة الفرصة البديلة.
المطلب الخامس: منحنى امكانيات الانتاج
يمكننا تفهم حقيقة المشكلة الاقتصادية وكيفية الاجابة على التساؤلات ماذا وكيف و لمن؟
من خلال ما يعرف بمنحنى امكانيات (حدود) الانتاج كما هو موضح بالشكل التالي:
السلعة (1)
د 5
ج 4
ب 3
السلعة (2) أ 5 4 3 2 1
منحنى تكاليف الانتاج
ويعبر هذا المنحنى عن الحقيقة الاساسية الأتية:المجتمع الذي يوظف أو يشغلموارده تشغيلا كاملا لا بد أن يتنازل أو يضحي بانتاج سلعة ما عندما يقررالقيام بانتاج سلعة اخرى.
وهذه الحقيقة تفترض أنه من يمكن تحويل المواردمن انتاج السلعة الاولى الى انتاج سلعة أخرى.
ومنحنى امكانيات الانتاج يمثل ما هو متاحا للمجتمع للاختيار.وتمثل النقاطداخل المنحنى "على اليسار" حالة عدم اكتمال تشغيل موارد المجتمع بالكامل.
وفي هذه الحالة " حالة تعطيل بعض موارد المجتمع الانتاجية" يمكن زيادة ماينتجه هذا المجتمع عن طريق تشغيل هذه الموارد وبالتالي الانتقال على نقطةمنحنى امكانيات الانتاج و هذا ما تهتم به نظرية التشغيل والتوظيف والدخل.
أما الانتقال بمنحنى امكانية الانتاج الى وضع أعلى فيكون عن طريق تنميةالموارد بالقدر الذي يمكن المجتمع من انتاج أكبر في كلا النوعين سلعة (1)وسلعة (2) وهذا ما تهتم به نظرية النمو الاقتصادي.
ويمكن تفهم حقيقة المشكلة الاقتصادية من الرسم السابق لمنحنى امكانياتالانتاج.فحقيقة ندرة الموارد تتضح من عدم القدرة على انتاج خارج المنحنى أب ج د كما يمكن تفهم مشكلة الاختيار من كون منحنى الامكانيات ينحدر منأعلى الى أسفل جهة اليمين وذا ميل سالب .أي ضرورة التضحية بانتاج سلعة علىحساب انتاج سلعة أخرى.
المبحث الثاني :خصائص الرغبات الانسانية وأنواع السلع والثروة.
المطلب الأول :خصائص الرغبات الانسانية
وللرغبات الانسانية خصائص أربع هي :
أ- التعدد:
ان الرغبات غير محدودة في عددها, ولا يعني ذلك أن الانسان,بطبيعته,جشع,غير أنه ما من شك أن ثمة عددا لا نهائيا من الرغبات التييمكن أن يستشعر الانسان بالميل الى اشباعها,وحتى عندما تتزايد طاقةالانسان على اشباع هذه الرغبات جميعها, فلا مناص من أن تثور في نفسه رغباتجديدة تتطلب أنواعا أخرى من الاشباع. قد تختلف الطاقة الاشباعية من فردالى اخر, وقد يقف بعض الأفراد في أحوال استثنائية عند حد معين من الاشباع,ومع ذلك فلا جدال أن الغالبية من الأفراد تتطلع الى رغبات جديدة , كلمااشبعت رغبات سابقة.
ب- التنافس:
ومن الواضح أن خاصية التنافس بين الرغبات هي النتيجة الطبيعية المباشرةللتحديد النسبي للموارد أو وسائل الاشباع,اذ تتنافس الرغبات فيما بينبعضها البعض حول الموارد المحدودة ذات الاستعمالات البديلة,فهي تتضاربوتتطاحن مع بعضها البعض , بحيث تجعلنا دائما تحت ضغط الحاجة الى الاختياربين ما يمكن اشباعه وما نتخلى عن اشباعه .بيد أن هناك معنى اخر للتنافسبين الرغبات ,فقد يخلي بعضها السبيل لبعص الاخر.
ج- التلازم:
كما نجد في الحياة العملية أن كثيرا من الرغبات يتماشى مع بعضه البعض,بمعنى اخر أن الواحدة تسوق الى الأخرى,أي أن اشباع رغبة ما لا يمكن أنيتحقق الا باشباع رغبة أخرى . فقد ترتبط الرغبات بعضها مع البعض الاخرارتباطا وثيقا كالرغبة في الشاي والرغبة في السكر وهذا هو معنى كلمةالتلازم أو التكامل بين الرغبات.
د- التكرار:
كما نجد أيضا في الحياة العملية أن الرغبات التي نشعر بها تميل في معضمهاالى التكرار,حتى بعد أن نشبعها مرة بعد أخرى.وهذه الخاصية واضحة تماما فيالرغبات الأساسية,كالملبس أو المأكل. ومع ذلك فقد نلاحظ أن مستوى المعيشةيسمح أيضا بتكرار الرغبات الأكثر ترفا في طبيعتها حتى يصير اشباعها
أمرا عاديا يالنسبة لمجموعة معينة من الأفراد وما من شك أن لهذه الصفة أهميتها في ايضاح نظرية الاستهلاك.
المطلب الثاني : أنواع السلع
يمكن تقسيم السلع بوجه عام بطرق ثلاث, تشير الطريقتان الاولى والثانيةمنهاالى الطبيعة الماديةللسلع,أما الطريقة الثالثة فتشير الى العلاقة بينكميات السلع وبين الرغبات التي تشبعها .
أ- السلع الاستهلاكية والسلع الانتاجية :
وتنطوي الطريقة الاولى على تقسيم السلع الى نوعين رئيسيين:سلع استهلاكيةوسلع انتاجية .أما السلع الاستهلاكية فهي تلك السلع التي يمكن أن تشبعالرغبات الانسانية بطريقة مباشرة ومن أمثلة ذلك السيارة و الخبز والخدماتفهذه جميعها سلع (مادية أو لا مادية) موجهة للاستهلاك المباشر.
أما السلع الانتاجية فهي تلك السلع التي تسهم بطريق غير مباشر في اشباعالرغبات حيث نجد مثلا أن تصنيع سلعة استهلاكية كالسيارة يحتاج الى توفربعض السلع الانتاجية كالحديد والزجاج والمطاط.حيث
أن السلع الانتاجية تسهم في انتاج السلع الاستهلاكية المعدة لأغراضالاستهلاك المباشر ومن هنا تتضح حقيقة أن الاستهلاك هو الهدف النهائي منجميع أوجه النشاط الاقتصادي للأفراد والجماعات.
ب-السلع الفانية والسلع المعمرة:
أما التقسيم الثاني فيفرق بين السلع جميعها من حيث عدد المرات التي تستخدمفيها كل سلعة- سواء أكانت سلعة استهلاكية أم سلعة انتاجية- في اشباعهالرغبة انسانية معينة .اذ هناك بعض السلع التي تستنفد قدرتها على الاشباعبمجرد استعمالها مرة واحدة وتسمى هذه السلع عادة (بالسلع الفانية) ومنأمثلة ذلك مختلف أنواع الطعام.كما ثمة نوع اخر من السلع التي يمكن أن تحققسلسلة متتابعة من الاشباع ولكنها اذ تحقق ذلك ,تفقد قدرتها الاشباعيةتدريجيا .ومن أمثلة ذلك المنازل , الملابس ..الخ , ويطلق عليها (السلعالمعمرة) وأخيرا هناك نوع ثالث من السلع التي تنتج اشباعا يمتد الى
أجيال عديدة دون أن تفقد قدرتها الاشباعية ومن أمثلة ذلك الأرض التينتوارثها جيلا بعد جيل ويطلق على الأرض وما شاكلها من السلع بالسلع غيرقابلة للفناء.
ج-السلع الحرة والسلع الاقتصادية:
وتنطوي الطريقة الثالثة على تقسيم السلع الى نوعين رئيسيين: السلع الحرةوالسلع الاقتصادية. السلع الحرة فهي السلع التي تتواجد بكميات غير محدودةبالنسبة للحاجة اليها, ولا يبذل الانسان في سبيل الحصول عليها أي جهد أوعناء, أو يخصص لانتاجها أي قدر من الموارد مثلا: كالهواء والماء في
بعض الظروف. وهي حرة ,لأنها لا تتطلب الاختيار بين الموارد النادرة فيسبيل انتاجها ,ولا تتطلب الاقتصاد في استهلاكها, و الحصول عليها لا يقتضيانفاق الموارد.
أما السلع الاقتصادية فهي تلك السلع التي لا توجد الا بكميات محدودةبالنسبة لمدى الرغبة فيها,وهي تلك السلع التي لا مناص من تخصيص قدر معينمن الموارد في سبيل انتاجها, وهي اقتصادية لأنها تنطوي على مشكلة الاختياربين الاستعمالات البديلة للموارد النادرة ولأنها تتطلب الاقتصاد فياستعمالها, وتحدد لها أثمان معينة في أسواقها الخاصة.كما تتسم هذه السلعبالندرة وبصفة المنفعة.
المطلب الثالث : أنواع الثروة
يسوقنا الحديث عن السلع الى الحديث عن الثروة. اذ أن اصطلاح الثروة يحملمعنى الرصيد المخزون من السلع الاقتصادية الموجودة في وقت معين , سواء فيحيازة الفرد أو الجماعة .ان الثروة اذن,تشمل كل السلع الاقتصادية, وتتسمبالندرة النسبية.
وهناك أنواع ثلاثة للثروة: الثروة الفردية والثروة القومية والثروة العالمية.
أ- الثروة الفردية:
تعرف بأنها رصيد السلع الاقتصادية التي يملكها الفرد في وقت معين ,باستبعاد الخدمات, زائد الحقوق التي يملكها والديون المستحقة له على أفرادأخرين, ناقصا الديون المستحقة عليه للأفراد الاخريين.
غير أن الفرد لا يستمد اشباعه الكلي من ثروته الخاصة فحسب, بل من الثروة القومية أيضا , وان لم تكن هذه جزءا من ملكيته الفردية.
ب- الثروة القومية:
تعرف بأنها رصيد السلع الاقتصادية الموجودة في دولة معينة في وقت معين ,باستبعاد الخدمات, زائد الديون المستحقة للدولة على الدول الأخرى, ناقصاالديون المستحقة للدول الأخرى على الدولة .
وقد تسمى الثروة القومية, في بعض الأحيان, برأس المال القومي.
ج- الثروة العالمية :
تعرف بأنها رصيد السلع الاقتصادية الموجودة في العالم بأسره,في وقتمعين,باستبعاد الخدمات, واستبعاد جميع النقود الوطنية, وجميع الديونالقائمة بين الدول.
المبحث الثالث :حل المشكلة الاقتصادية
يتم حل المشكلة الاقتصادية في النظام الرأسمالي عن طريق ما يعرف ((بجهازالثمن)), كما يتم حلها في النظام الاشتراكي عن طريق ((جهاز التخطيط))أمافي النظم الاقتصادية المختلطة فيتم حلها جزئيا عن طريق جهاز الثمن وجزئياعن طريق جهاز التخطيط.
المطلب الأول :حل المشكلة الاقتصادية وفق النظام الرأسمالي:
بعد انهيار النظام الاقطاعي الذي ساد أوروبا في القرون الوسطى,وتزايدانتشار فكرة القومية,عرف العالم فكرة الدولة القومية كفلسفة سياسية,كانعلى الفكر الاقتصادي أن يقوم بتنظير فلسفة اقتصادية تتماشى مع ذات الفكرالسياسي .وهكذا عرف العالم الرأسمالية أو النظام الرأسمالي.
ويقوم النظام الرأسمالي على مجموعة من الدعامات هي :
تدني دور الدولة :
نادى أنصار الرأسمالية بتقييد دور الدولة وحصره في رعاية العدالة والأمن,أما النشاط الاقتصادي فيترك أمره للأفراد فهم خير من يقوم به.
الحرية:
وهي تعتبر من أهم دعائم النظام الرأسمالي.فكل فرد حر في هذا النظام:
حر في أن يتملك ما يشاء,وقتما شاء, وبأي قدر.
حر في التعاقد والعمل في النشاط الذي يرغبه وبالشروط الذي يرضى عنها.
حر في انشاء المشروعات الخاصة ,مهما كان حجمها أو شكلها القانوني أو مجال نشاطها.
ونتيجة لهذه كان أحد الشعارات الرأسمالية المشهورة هو ( دعه يعمل دعه يمر ).
الدافع الفردي :
يهدف النظام الرأسمالي أصلا الى تحقيق مصلحة الفرد أولا, ومصلحة الجماعةأخيرا .حيث يسعى كل فرد نحو تحقيق مصلحته الخاصة بصرف النظر عن مصلحةالأخريين.فالمستهلك يريد الحصول على أقصى اشباع ممكن, والمنتج يهدف الىتحقيق أقصى ربح ممكن. ولذلك فان ما يحرك النظام الرأسمالي حقيقة ما هو الاالدافع الفردي خصوصا دافع الربح.
المنافسة الحرة :
والمنافسة الحرة كما تخيلها منظروا الرأسمالية هي صورة مثالية لما يجب أنيكون عليه التعامل بين الغرماء في السوق ,وفي صورتها الصافية البريئة هيأمر مرغوب وان كان مستحيلا ففي الواقع وبصفة عامة نجد درجات متفاوتة منالمنافسة المشوبة ببعض النزعات الاحتكارية والتي قد تصل الى حد المنافسةالدموية.
في ظل هذه الدعامات يقوم النظام الرأسمالي ويحاول حل المشكلة الاقتصاديةعن طريق ميكانيكية جهاز الثمن , ويقصد بجهاز الثمن تلك الحركات التلقائيةللأثمان الناتجة عن تفاعل قوى السوق (قوى العرض والطلب).
و يتم التعرف على (ماذا تنتج) عن طريق حركة أثمان السلع والخدماتالاستهلاكية , فالسلعة أو الخدمة الأكثر أهمية يزيد الطلب عليها.ومع بقاءالعوامل الاخرى على حالها يرتفع ثمنها , الأمر الذي يغري المنتجين الىانتاج المزيد منها والعكس صحيح.
كما يتم التوصل الى (كيف تنتج) عن طريق مقارنة أثمان السلع والخدماتالاستهلاكية(والتي تعكس ايرادات المنتجين) بأثمان السلع والخدماتالانتاجية (والتي تعكس تكاليف الانتاج). وبهذا يتم التعرف على معدلاتالربحية لمختلف نواحي النشاط الانتاجي .وبالطبع سوف يتم تخصيص المواردالانتاجية -النادرة- بين الاستخدامات - البديلة - الأكثر كفاءة - والتيسيتم تطبيقها في داخل كل قطاع أو مشروع.
كذلك يقدم جهاز الثمن حلا لمشكلة توزيع الانتاج حيث يتحدد نصيب كل فرد منالناتج القومي بحجم القوة الشرائية المتاحة لديه والتي تتحدد بشكل أو باخربحجم دخله.
ويتحدد حجم الدخل بدوره بكمية ونوع ما يمتلكه الفرد من خدمات انتاجية منناحية, وبسعر هذه الخدمات الانتاجية من ناحية اخرى وبالطبع من يمتلك خدماتانتاجية ذات سعر أعلى سوف-مع بقاء العوامل الأخرى على حالها- يزيد دخلهفتزيد قوته الشرائية فتزيد نصيبه من الناتج القومي ,والعكس
صحيح.أما بالنسبة لضمان الاستمرار,أي ضمان النمو الاقتصادي ,فان جهازالثمن يلعب أيضا دورا في هذا الصدد.فالنمو الاقتصادي يتطلب ضرورة وجودجبهة عريضة من الاستثمارات تقود عملية التقدم الاقتصادي. غير أن هذهالاستثمارات تحتاج بدورها الى رصيد ضخم من رأسمال لتمويلها وتنفيذها.وقديمكن الحصول على رأس المال هذا جزئيا من الداخل, وجزئيا من العالمالخارجي.غير أنه مهما كان حجم المساعدات الخارجية فانها في النهاية محدودة.وبذلك ليس هناك مفر من أن تعتمد الدولة على امكاناتها الذاتية.وهذا يعنيضرورة أن تبحث الدولة بكافة الطرق عن مصادر تمويل داخلية جديدة.وهنا يمكنأن يلعب جهاز الثمن دورا في محاولة تعبئة المدخرات المحلية وزيادتها, عنطريق رفع سعر الفائدة الى الحد الذي تستجيب له طاقة الادخار المحلي.
المطلب الثاني :حل المشكلة الاقتصادية وفق النظام الاشتراكي
يقوم النظام الاشتراكي على فلسفة اجتماعية هدفها الأساسي هو المصلحةالعامة وليس المصلحة الخاصة,حيث تسود هذا النظام مجموعة من المبادئ تتماشىمع فلسفته الجماعية الأساسية.فعوامل الانتاج مملوكة بالكامل- أو تكاد-للدولة كما أن الملكية الخاصة محصورة في أضيق نطاق ولا تكاد تتعدى الأشياءالجد شخصية.كذلك فالدولة هي التي تقوم بحصر الموارد الاقتصادية وتعبئتهاوتوجيهها نحو الاستخدامات المختلفة المرغوبة فضلا عن عملية تنميتها .انهاببساطة تقوم بحل كل عناصر المشكلة الاقتصادية , عن طريق ما يعرف باسم جهازالتخطيط.
وقد يأخذ جهاز التخطيط في الواقع العملي شكل هيئة أو لجنة أو وزارة أوخليط من هذه الأشكال معا. ويقوم جهاز التخطيط بدراسات وأبحاث مستفيضةمسبقة قبل أن يقدم على اقتراح السياسات التي تصدر بها بعد ذلك قراراتمركزية للتنفيذ.
ان جهاز التخطيط هو الذي يحدد نوعيا وكميا تلك السلع. والخدمات المزمع انتاجها في الفترة التالية لاشباع رغبات المستهلكين.
كما انه يقوم بتنظيم عملية الانتاج من حيث تعبئة الموارد الاقتصاديةاللازمة لترجمة رغبات أفراد المجتمع الى سلع وخدمات متاحة.وكذلك من حيثتوزيع وتخصيص هذه الموارد على مختلف استخداماتها البديلة.
فضلا عن أنه يقوم بتحديد الأجور والمكافات التي يحصل عليها العاملون في مختلف المجالات.
وأخيرا يقوم جهاز التخطيط برسم السياسات والخطط الانمائية سواء طويلةالأجل أو متوسطة الأجل أو قصيرة الأجل والتي تهدف كلها الى ضمان النموالاقتصادي للمجتمع.
كما أن هذا النظام يهدف الى تحقيق مجتمع (الكفاية والعدل).الكفاية بمعنىحسن استغلال الموارد الاقتصادية النادرة المتاحة.والعدل بمعنى عدالة توزيعالدخول والثروات في المجتمع بين مختلف أفراده.
الخاتمة
نشير في الأخير كخلاصة أن أي وضع اقتصادي يتميز بالخصائص الاتية:
أولا: ندرة الموارد بالنسبة للرغبات كشرط أساسي لقيام أي مشكلة اقتصادية.
ثانيا: الاستعمالات البديلة لكل مورد .
ثالثا: تعذر حل المشكلة الاقتصادية الا بالاختيار بين الرغبات العديدة المتنافسة.
رابعا:ارتباط حل المشكلة الاقتصادية ارتباطا وثيقا بطرق الافراد في كسب مواردهم باعتبارها الخطوة الضرورية في عملية اشباع الرغبات0
ومن هنا يمكن القول أن المشكلة الاقتصادية ستضل لصيقة بالانسان يحاول حلهاما استطاع الى ذلك سبيلا و لكن بينه وبين أن نختفي تماما أمدا بعيدا ولذلكسيظل علم الاقتصاد وهو قرين وجودها له صفة الديمومة التي تجعله بحق ,درةالعلوم الاجتماعية جمعاء.
المراجع
,مصر,1997 .
2- الحاجات الثانوية (الكمالية): 2) الدكتورحسين عمر :مبادئ علم الاقتصادالمشكلة الاقتصادية والسلوك الرشيدتحليل جزئي وكلي , دار الفكر العربي, الطبعة السابعة , القاهرة,مصر ,1989 .3) الدكتور سالم توفيق النجفي : أساسيات علم الاقتصاد ,الدار الدولية للاستثمارات ,الطبعة الأولى ,القاهرة , مصر,2000 .4) الدكتورمحمد عطا الله ود.هند مشعل عودة : الأساس في الاقتصاد الكلي والجزئي ند1- الحاجات الأولية (الأساسية) وهي مجموع الرغبات الانسانية التي لا تحتملالتأجيل في اشباعها , والتي اذا أفنيت يفنى الانسان ورائها ,بمعنى أنهاضرورية لبقاء الانسان على قيد الحياة كحاجته الى الغذاء والماء والمسكن...الخ. 2 1 1) الدكتور عبد النعيم محمد مبارك :مبادئ علم الاقتصاد,الدار الجامعية,الطبعة الأولى ,الاسكرية.
وهذا موقع أخر
http://www.elibs.info/lib-economics-1.htm