منتدى السوافة
مرحبا بك عزيزي الزائر. نتمنى تكوين حسابك الخاص والتسجيل معنا في المنتدى إن لم يكن لديك حساب بعد
والمساهمه معنا في افادتك والاستفاده منك فهذا المنتدى هو صدقه جاريه اتمنى ان تشارك فيها وتجعله ايضا صدقه جاريه لك بمواضيعك وافادتك لنا

منتدى السوافة
مرحبا بك عزيزي الزائر. نتمنى تكوين حسابك الخاص والتسجيل معنا في المنتدى إن لم يكن لديك حساب بعد
والمساهمه معنا في افادتك والاستفاده منك فهذا المنتدى هو صدقه جاريه اتمنى ان تشارك فيها وتجعله ايضا صدقه جاريه لك بمواضيعك وافادتك لنا

منتدى السوافة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى السوافة

منتدى السوافة أصالة وصال تواصل .........
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
منتدى
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» شوق وحنـــين ????
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالسبت 13 مايو 2023, 19:54 من طرف نور الاسلام

» طلب البوم معراج شراد
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالخميس 30 يناير 2020, 13:14 من طرف قناة أفراح وادي سوف

» جديد اغاني معراج شراد والمهدي محبوب
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالأحد 19 يناير 2020, 19:10 من طرف قناة أفراح وادي سوف

» عيد الفطر
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالأربعاء 05 يونيو 2019, 10:30 من طرف كمال احمد

» مكتبة الاغاني السوفية
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالإثنين 27 مايو 2019, 05:46 من طرف قناة أفراح وادي سوف

» عضو جديد يريد الترحيب
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالإثنين 27 مايو 2019, 05:39 من طرف قناة أفراح وادي سوف

» https://youtu.be/jQYyL3StZ6Q
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالسبت 25 مايو 2019, 14:49 من طرف قناة أفراح وادي سوف

» أغاني معراج شراد. رمضان وزيد العيد ودخلة ليكول
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالسبت 25 مايو 2019, 10:46 من طرف قناة أفراح وادي سوف

» ويشدنا الحنين
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالثلاثاء 16 أبريل 2019, 18:12 من طرف كمال احمد

» حصريا على منتدى السوافة موسوعة النباتات السوفية ليوسف حليس
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالإثنين 29 أكتوبر 2018, 21:00 من طرف Abdelhadi

» أيموت الماضي...
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالثلاثاء 25 سبتمبر 2018, 10:26 من طرف كمال احمد

» عيد اضحى مبارك
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالأربعاء 22 أغسطس 2018, 09:36 من طرف عماد الدين

» وفاة المنتدى السوافة فقط واعضاؤه
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالجمعة 17 أغسطس 2018, 11:06 من طرف عماد الدين

» حسبي الله ونعم الوكيل
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالأحد 15 يوليو 2018, 01:03 من طرف غربة

» رمضان مبارك
سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالأربعاء 23 مايو 2018, 12:13 من طرف عماد الدين

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
رائد السوفي
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcapسر الجمال الحقيقي للإنسان I_voting_barسر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap 
صهيب حساني
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcapسر الجمال الحقيقي للإنسان I_voting_barسر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap 
السوفية
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcapسر الجمال الحقيقي للإنسان I_voting_barسر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap 
كثيرة الصمت
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcapسر الجمال الحقيقي للإنسان I_voting_barسر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap 
رانية
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcapسر الجمال الحقيقي للإنسان I_voting_barسر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap 
mayar39
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcapسر الجمال الحقيقي للإنسان I_voting_barسر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap 
عماد الدين
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcapسر الجمال الحقيقي للإنسان I_voting_barسر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap 
اكرم
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcapسر الجمال الحقيقي للإنسان I_voting_barسر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap 
اسيرة الشوق
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcapسر الجمال الحقيقي للإنسان I_voting_barسر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap 
طبيبة المستقبل
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcapسر الجمال الحقيقي للإنسان I_voting_barسر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap 
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 228 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 228 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 357 بتاريخ الجمعة 15 نوفمبر 2024, 02:44
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 10715 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Aghilesss فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 174204 مساهمة في هذا المنتدى في 20665 موضوع
ازرار التصفُّح
تصويت
ما هو تقيمك للمنتدى الى حد الان ؟
1-ممتاز؟؟
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcap51%سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap
 51% [ 293 ]
2-جيد جدا؟؟
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcap15%سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap
 15% [ 87 ]
3-جيد؟؟
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcap22%سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap
 22% [ 127 ]
4-ضعيف ؟؟
سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_rcap12%سر الجمال الحقيقي للإنسان I_vote_lcap
 12% [ 68 ]
مجموع عدد الأصوات : 575
ساعة توقيت
الصحف الجزائرية






مواضيع مماثلة

 

 سر الجمال الحقيقي للإنسان

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
مختار
سوفي جديد
مختار


الجنس : ذكر
عدد الرسائل : 7
الموقع : وادي سوف المحبوبه
المزاج : المحبوب
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

سر الجمال الحقيقي للإنسان Empty
مُساهمةموضوع: سر الجمال الحقيقي للإنسان   سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالسبت 04 سبتمبر 2010, 19:56

[center]
سر الجمال الحقيقي للإنسان
من منَّا لا يغشى مجالسَ النَّاس وديوانيَّاتهم؟ ومن منَّا لا يطوف على الأحْباب والأصدِقاء
والخلاَّن في دورهم ومنتَدَياتهم؟ ومن الَّذي لا يحضر أعراسَهم وأفراحَهم، ويقوم بما يجب
عليْه تجاههم في آلامهم وأتراحهم؟ مَن منَّا لا يتهيَّأ لتلك المناسبات بِما يظهره
بمظهر حسَن وإطلالة بهيَّة وروْنق جميل؟!
يقِف أمام المرآة يأخُذ من شعر رأسه ويمشِّط لحيتَه ويرتِّب من هندامِه، ويتضمَّخ بأزكى
العطور ثمَّ يخرج إلى النَّاس، وقُل مثل ذلك في المرْأة؛ فإنَّها تفعل بنفسِها ما يفعل
الرَّجل حين تريد أن تُخالط النساء من بنات جنسِها، بل وربَّما تزيد على الرَّجُل بأنَّ
المرآة تستغرق منها السَّاعات الطوال والأوقات المملَّة.
على أيَّة حال، كلُّنا ذاك الرجُل، وكلّ هذا جيِّد وحسَن، وجميعه مرغَّب فيه ومحبَّذ ومندوب إليْه،
ما دام ضمن حدود المعْقول، من غير إفراط ولا تفْريط.
لكن أيكْفي هذا؟ وهل عند هذا الحدِّ انتهى الأمر؟ وهل يُغنينا أن نقِف عند هذه الظَّواهر دون
أن نُعْنى بالبواطن، نحفل بالقشور دون أن نهتمَّ باللُّبّ والجوهر، كثيرون يغفلون عن هذه
النقطة ويتجاوزونَها إلى المظاهر، ويمرُّون عليها مرور الكرام، هذا إن سمعوا بها وأدْركوها،
وإلاَّ فهُم لا يعرِفونها البتَّة.
كان نبيُّنا - عليه الصَّلاة والسَّلام - إذا نظر في المرْآة
يقول: ((اللهُمَّ أحسنت خلْقي فأحسن خلُقي))[1]، فكان يرسل بذلك رسالةً
إلى أمَّته أنَّ العناية بالباطن - ومن ذلك القلب والأخلاق - أمرٌ هو من صلب
دينِنا وشرْعِنا، ومقصد هامٌّ من مقاصد الشَّريعة الغرَّاء، وأنَّ من يعتني بمظْهره
الخارجي فقط ويدَع الأمراض المعنويَّة والنفسيَّة تفعل فعلَها في داخله، هُو إنسان
مغفَّل لا يدرك أين الخير، ولا يعرف حيثُ مصلحته فيبادر إلى تحصيلها.

اليوم - أيُّها السَّادة - يشقَى كثيرٌ من النَّاس في قضيَّة الجمال، ويبذلون وسعهم
وطاقتَهم في الحصول على أحْدث مقاييس الجمال، وآخر صرخات الموضة والأزياء،
الرجال والنساء في ذلك سواء، وإن كان الأمر أوْضح في جانب النساء، يُهرعون
إلى دور التَّجميل وأطبَّاء العمليَّات التَّجميليَّة، ويسكبون المال الوفير أمامهم كي
يَحصلوا على قسط من الجمال الصِّناعي الباهت، فالرجل يريد جسمًا كجسم اللاَّعب النَّجم
الفلاني، وأنفًا كأنفِه، وسحنة كسحنتِه، وقصَّة شعر كقصَّة شعره، والمرأة بدورها تُريد
أعضاءً كأعضاء المطربة الفلانيَّة والممثلة الفلانيَّة، وربَّما كان الذي يدفَعُها إلى
ذلك هو زوجَها بعد افتِتانه بالممثلات والمطربات، فيغيِّرون خلق الله ويقعون في المحظور.
أيّ جمال ذلك الَّذي تبحثون عنْه وتنشدونه؟!
أي زينة تلك التي تلهثون وراءها؟!
جمال صناعي وزينة مصطنعة، إنَّ الجمال الحقيقي والزينة الأساسيَّة هي زينة الدَّاخل
وجمال الباطن؛ أي: جمال الأخلاق، جمال الروح، جمال النَّفس، والَّذي بدوره يطفح بعد
ذلك على صورة المرء الخارجيَّة، الجمال هو جمال المخْبر لا جمال المظهر.
لَيْسَ الجَمَالُ بِمِئْزَرٍ فَاعْلَمْ وَإِنْ رُدِّيتَ بَرْدَا
إِنَّ الجَمَالَ مَعَادِنٌ وَمَنَاقِبٌ أَوْرَثْنَ مَجْدَا
لَيْسَ الجَمَالُ بِأَثْوَابٍ تُزَيِّنُنَا إِنَّ الجَمَالَ جَمَالُ العِلْمِ وَالأَدَبِ

ليس الجمال تسمينًا أو تنحيفًا، ولا تشقيرًا أو تبييضًا أو تغييرًا، ولا نفخًا أو شفط دهون!

ليس من الحسن أن نسعى إلى ستْر عورة الجسم ونترك عورة النَّفس باديةً لكل أحد،
واللهُ تفضَّل علينا فقال: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً
وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 26].

إِذَا المَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَابًا مِنَ التُّقَى تَقَلَّبَ عُرْيَانًا وَإِنْ كَانَ كَاسِيَا
وَخَيْرُ لِبَاسِ المَرْءِ طَاعَةُ رَبِّهِ وَلا خَيْرَ فِي مَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيَا

كان من بين الصَّحابة على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صحابي اسمه
زاهر بن حرام الأشْجعي، وكانت به دمامة - رضِي الله عنْه - وكان لحبِّه الجمّ لرسولِ الله
- صلَّى الله عليْه وسلَّم - يتفقَّده ببعض طعام أهل البادية، وكان بدويًّا، وكان النَّبيُّ
- عليْه الصَّلاة والسَّلام - يُبادله الهديَّة بالهديَّة، ويمنحه كلَّ المحبَّة والتَّقدير.

وذات يومٍ رآه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سوق المدينة وهو يبيع متاعَه،
فاحتضنَه من خلفه ولا يبصره زاهِر، فقال: أرْسلني، مَن هذا؟ فالتفت فعرف النَّبيَّ
- صلَّى الله عليه وسلَّم - فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدْر النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم
- حين عرفه، وجعل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن يشتري العبد؟))
فقال: يا رسول الله، إذًا - والله - تجِدني كاسدًا، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم
-: ((لكن عندَ الله لست بكاسد)) أو قال: ((لكن عند الله أنت غال))[2].

مع دمامته - رضِي الله عنه - كان ذا قدر ومنزلة عند الله تعالى؛ بصفاء سريرته وطيبة
قلبه، وهذه سبيل كلِّ مَن أراد أن ينال عند ربِّه وعند الناس الحظوة
والمنزلة التي ليست لسواه.
_________________________________________________________________________

قيمة المؤمن تكمن في قلبه

ليس أروح للمرءِ ولا أطْرد لهمومِه من أنْ يعيشَ سليم الصدر؛
فقيمة المؤمن إنما تَكْمُنُ في قَلْبه، وما يحمله هذا القلب
من سمو وطُهْر، فهذا من أعظم نِعَم الله عليه أن يحملَ صدره قلبًا
سليمًا من الشحناء والبغضاء، نقيًّا من الغلِّ والحسد، صافيًا
من الغدر والخيانة، معافًى من الضغينة والحقد، لا يطوي
قلبُه إلا المحبَّة والإشفاق على المسلمين، إذا رأى نعمة تنساق
إلى أحد رَضِي بها، وأحسَّ فضل الله فيها، وفَقْر عباده إليها،
وإذا رأى أذًى يلحق أحدًا من خَلْق الله رَثَى لحاله، ودعا الله
أن يفرِّج هَمَّه؛ وذلك لأن الأصل في الصدور أن تكونَ مملوءة
بالمحبَّة وإرادة الخير للآخرين. وقد ينال المؤمن من
أخيه أذًى، وقد يكرهه لذلك أو يعاديه انتصارًا لنفسه،
لكن هذه العوارض لا تستمر في القلب، ولا تتحول إلى حِقْدٍ
وضغينة، بل يظهر من نفسه الطيِّبةِ التسامح والعفو[1]،
وهذه من صفات أهل الجنة - حين يدخلونها - صدورهم خالية
من الأحقاد والأضغان؛ كما قال - تعالى -: ? وَنَزَعْنَا مَا
فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ? [الحجر : 47].

وهذا الخُلُق الجليل والمنقبَة العظيمة من الجوانب الأخلاقيَّة
الهامة التي يهتمُّ بها الداعي في مخالطته للمدعوين ويحثُّهم
عليه، ويذكِّرهم بقوله - تعالى -: ? وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ
وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ
حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ
بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ
وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ? [الحشر : 9 -10].

"ذكر الله في هذا الدعاء نفي الغلِّ عن القلب الشامل لقليله
وكثيره، الذي إذا انتفى ثبت ضده، وهو المحبة والموالاة والنُّصْح"[2].

وبالنظر إلى مخالطة الرسول - صلى الله عليه وسلم - نجده
يغرسُ من خلالها هذه الفضيلة، ويعايش ما قد يُصاب به
المدعو من أذًى وضِيق ممن حوله، يكون سببًا في أن يضرمَ في نفسه
الكره والجفاء، فيفسد عليه قلبه، ويلهيه عن معالي الأمور؛
فعن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أَصِلهم
ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحْلُم عنهم ويجهلون
عليّ، فقال: ((لئن كنتَ كما قلتَ، فكأنَّما تُسِفهم الملَّ[3]، ولا يزال
معك من الله ظهير عليهم ما دمتَ على ذلك))[4].

"وهذا مشهدٌ شريف جدًّا لمن عرفَه وذَاقَ حلاوته، وهو ألا يشتغلَ قلبُه
وسِرّه بما ناله من الأذى وطَلَبِ الوصول إلى إدراك ثأرِه، وشفاء نفسه؛
بل يفرِّغ قلبه من ذلك، ويرى أن سلامته وبرده وخلوه منه أنفع له،
وألذُّ وأطْيب وأعون على مصالحه؛ فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ما
هو أهمُّ عنده وخير له منه، فيكون بذلك مغبونًا، والرشيد لا يرضى بذلك،
ويرى أنه من تصرفات السفيه؛ فأين سلامة القلب من امتلائه بالغلِّ والوساوس،
وإعمال الفكر في إدراك الانتقام؟!"[5].

فكم يعلو قدرُ الإنسان، وتشرف منزلته حينما يصل إلى هذه المنقبة العظيمة،
التي وصل إليها صحابته - صلى الله عليه وسلم - ولو تأمَّلنا ما ذكره لهم
- صلى الله عليه وسلم - من أنه سيطلع عليهم رجل من أهل الجنة، قالها ثلاثًا،
فلمَّا ذَهَبَ إليه ابنُ عمرو بن العاص- رضي الله عنهما - وباتَ عنده ثلاثَ ليالٍ،
فلم يره فعَلَ كبيرَ عملٍ، فتعجَّب عبدالله - رضي الله عنه - من حاله وسأله: ما
الذي بلغ بك ما قال - صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرجل: "ما هو إلاَّ ما رأيْتَ،
غيْر أنِّي لا أجِدُ فِي نفْسِي لأحدٍ مِنَ المسلمين غِشًّا، ولا أحسد أحدًا على خيْرٍ أعْطاهُ
الله إيَّاه"، فقال عبدالله: هذه التي بلغتْ بِك، وهي التي لا نُطِيقُ"[6].

وسلامة الصدر فضيلة تجعل المدعو لا يربط بين حظِّه من الحياة ومشاعره مع الناس،
ذلك أنَّه ربَّما فَشِل حيث نجح غيره، وربما تخلَّفَ حيث نجح الآخرون، فمن الدركات
القبيحة أن تلتوي الأثرة[7] بالمرء، فتجعله يتمنَّى الخسار لكل إنسان، لا لشيءٍ
إلا لأنه هو لم ينجحْ، فتتولد هذه الدركة: اقتران الحسد بالطمع، حتى يتمنَّى
الحاسد انتقال النعمة من المحسود إليه، وقد يتضمَّن هذا التمني القبيح شعورًا
نحو الآخرين بالكراهة والحِقْد، وهذا يمثِّل انحرافًا خُلُقِيًّا أنانيًّا يُفْسِد القلب،
ويعمي البصيرة، ويجعلُ الحاسد كالهائم يمشي على غير هدًى[8].

فحَرِيٌّ بالدُّعاة اليوم في دعوتهم اعتبارُ الحسد والحِقْد والغِلِّ من موضوعات الدعوة
التي يجبُ التأكيد عليها؛ في الخطب، والدروس، والمواعظ، وأنَّ الحسد يناقض معاني
الأخوة الإسلاميَّة، التي تقوم على المحبَّة وإرادة الخير للمتآخين بأخوة الإيمان،
ويكون ذلك بتذكيرهم بتحريمه؛ فهو من المحرَّمات القلبيَّة التي لا يفطن إليها
أكثر المدعوين، ويرشدهم إلى أهم الأسباب التي تُعِينهم على التحلِّي بسلامة الصدر،
والتي منها: حُسْن الصِّلة بالله - تعالى - وحُسْن التعامل مع الآخرين، وإحسان الظن
بالمسلمين، والعفو والصفح عن الناس، والدعاء، وتعاهد القلب وإصلاحه من الآفات المهلكة[9].

[1] "خُلق المسلم"؛ محمد الغزالي، ص(92)، و"في البناء الدعوي"؛ أحمد الصويان،
ص (95)، و"الأخلاق الإسلامية وأسسها"؛ د.عبدالرحمن الميداني، (1/ 787)، و"الطهر
العائلي"؛ د.عبدالرحمن الزنيدي، ص (120)،.
[2] " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"؛ السعدي، ص (790).
[3] الرماد الحار؛ "النهاية في غريب الأثر"؛ لابن الأثير، ص (359)، مادة (رضف).
[4] سنن مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، رقم (2558)
، ص (1126).
[5] "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين"؛ ابن القَيِّم، (2/320).
[6] أحمد في المسند، رقم (12720)، (3/ 166)، وقال عنه شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح
على شرط الشيخين.
[7] الأَثَرَة: بفتح الهمزة والثاء، هي أنْ يخصَّ المرء نفسه بشيءٍ دون غيره؛ لسان العرب؛
ابن منظور، (4/5)، مادة: (أثر).
[8] "خلق المسلم"؛ محمد الغزالي، ص (100)، و"الأخلاق الإسلامية وأُسسها"؛ د.عبدالرحمن
الميداني، (1/796)، (797).
[9] "سلامة الصدر"؛ د.سليمان الحبس؛ مجلة الدراسات الدعوية علمية محكمة، جامعة
الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الأول، محرم 1429هـ ، ص (39 -70).



_________________________________________________


إبحار في قلب المؤمن

الحمدُ لله والصَّلاة والسلام على مَنْ كان خُلُقُه قرآنًا، وقوله تِبْيانًا، وهديه دليلاً ونورًا وهداية،
وعلى آله وصحبه وسلم.
أمَّا بعد:
فإنَّ مِمِّا ابتُلي به النَّاس في عصرنا: ضياعَ كثيرٍ من الخُلق الإسلامي الرَّفيع؛ لِخُلُوِّ القلب من
المعاني الإيمانيَّة التي تَمُدُّ الإنسانَ وتُثريه بالطيِّب من القول، والزاكي من الأفعال، فكان
طبيعيًّا أن تزيد مصائبُنا ونشعر بالغيمة السَّوداء فوق رؤوسنا؛ لسوء أفعالنا وانتكاس الفِطَر
السويَّة؛ مصداقًا لقوله - تعالى -: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}
[الشورى: 30]، والله - سبحانه - يضع لنا قاعدة مُهمَّة في استنقاذ البشريَّة وإحيائها من جديد،
ألاَ هي: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
فإذا أردنا عُلُوَّ الرُّوح وانطلاقها، وإذا أردنا قلبًا مُتَلألِئًا بالأنوار الرَّبانية، فلْنبحر في قلب
المؤمن؛ لنستخرج مادة بقائه، وزادَ روحه على الطريق، ذلك المؤمن الذي باع نفسه لله واشترى
الجنَّة، ذلك المؤمن الذي جعل حياته وَقْفًا لله - تعالى - المؤمن الذي يتلمَّس مواضعَ خطوات النبي
الكريم - صلَّى الله عليه وسلم - ليطابق موضع القدم القدم، في قلب ذلك المؤمن يشرق الإيمان،
وتفيضُ الحِكْمة، ويَفوحُ عطر اليقين.
إنَّها اللآلئ الإيمانيَّة التي لا يخلو منها قلب مُؤمن هِمَّتُه جنَّة ورضوان، وأوَّل تلك اللآلئ التي
يزخر بها بحر الإيمان الرَّائق لؤلؤة الإخلاص، وتسطع من بعدها لؤلؤة الصَّبر، ومع استمرار توهُّج
الصبر تظهر في ألق لؤلؤة الثَّبات، وقبل أن ينتهي إبحارنا تغشى أبصارنا في نورانيَّة مُشرقة
لؤلؤة الرضا.
سنفتح تلك الأصداف؛ لنحيا مع إشراقة تلك اللآلئ؛ عَلَّ قلوبنا جميعًا تصير قلبَ ذلك المؤمن الزَّاخر
باللآلئ المنيرة.
لؤلؤة الإخلاص:
حين يعرف المؤمن مقام الله - عزَّ وجلَّ - ويدرك فضله ونعمه وآلاءه، حين يُحب مولاه ويذوب شوقًا إليه،
تكون معاني الإخلاص قد تمكَّنت منه، أليس الإخلاصُ سرًّا بين العبد وربه؟ فما عساه أن يكون ذلك السر؟
إنَّه القلبُ الذي أحب فتعلق، فلم يعُدْ يبصر بعَيْنَيْ ذلك القلب غير المنعم المتفضل، غير الودود
الرحيم، إنَّ كُلَّ أعين النَّاس لا تعنيه في شيء؛ فهو متطلع إلى نظر العَلِيِّ الكبير، من يعطي بغير
حساب ويمنح كيف يشاء.
والإخلاص ثمرة من ثمرات شجرة اليقين، فهو يرى يوم الجزاء ماثلاً أمام عينيه، يرى نهايته القريبة
ولا يغيبُ عن ذهنه جنَّة ولا نار، فيقوده يقينه إلى إيثار النَّعيم الخالد على زائل زائف.
ولم يكن سير الصَّالحين إلى الله - سبحانه وتعالى - بغير ذلك الإخلاص، فهو شرطُ قَبول الأعمال ودليل
على صحَّتها، فكيف يَرْضَوْن بمقامرة رخيصة تضيع فيها الأعمار سُدًى، وهناك من يَمنح الجزاء الوافي،
ليس على العمل التعبدي فحسب؛ بل على كل لحظة تمر بالمرء في حياته كلها، والعمر بأكمله قد
يكون خالصًا لوجه الله إذا كانت نية صالحة تسبق كل عمل معتاد؛ كنوم وطعام وشراب... إلخ.
ألا ما أعظمَ فضلَ الله! وما أيسر رحمته! ولكن النفس المثقلة بالمُتَعِ والشَّهوات لا تنتبه لذلك الفضل،
فتسعى إلى طلب حظوظها وموافقة أهوائها، وكُلُّنا تلك النفس إن لم نهذب طبائعها ونروضها على
العطاء وترك الأخذ.
ولأن النَّفس جُبِلَت على طلب حظِّها من المدح والثَّناء وطلب الرفعة؛ كان أشقُّ شيءٍ عليها هو الإخلاصَ،
وكان ما يُميِّزها أيضًا إذا استقامت وارتفعت، كان أشقَّ شيءٍ عليها؛ لأنَّه ترك لذلك جميعًا، إنَّه
ملاحقة ومطاردة لكل بادرة من شأنها أن تُلوِّث صفاء التوجه القلبى إلى الله - تعالى - من هنا كان
الإخلاص أعلى المراتب وأولاها في مقام السير إلى الله؛ ولذا كان الحديث الشريف: ((إنَّما الأعمال
بالنيات، وإنَّما لكل امرئ ما نوى...))[1] - هو ميزانَ صلاح الأعمال في الدنيا، ونجاة العبد
في الآخرة، فالنيَّة وحدها هي التي تحدد صلاح العمل وقبوله، فقد نرى العمل واحدًا، والوجهة واحدة.
ولكن المقاصدَ هي التي تفرِّق، وكُلَّما كان العمل عظيمًا وجليلاً، كان الإخلاص آكد وأوجب؛ لذلك كان
أوَّلُ من تُسعَّر بهم النَّار: عالمًا، وشهيدًا، وقارئًا، فالذي يتعلَّم العلم - مثلاً - ليكون رسولَ
رسولِ الله قد يرفعه الإخلاصُ إلى مرتبة العُلماء العاملين، الذين هم ورثة الأنبياء، أو يحبط الرِّياءُ
عملَه، فيصير هباءً منثورًا، ويكون من حطب جهنم يوم القيامة، أعاذنا الله منها.
أمَّا داعية الخير والحق، فإنَّ قلبه لا يتَّسع لاثنين: إمَّا إخلاص وصدق تَوَجُّه، وإمَّا حظوظ النفس وطلب
رفعتها، وصاحب القلب المخلص هو الحريص على ألا يُعرف، وأن يكون عمله في صمت وخفاء؛ كي لا يحبطه
رياء أو حب ظهور، وقدوته في ذلك الصَّحب الكرام، ومن بعدهم سلف الأمة الصَّالح، فقد رأى عمرُ بن
الخطاب معاذَ بن جبل يبكي عند قبر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم – فقال: ما يُبكيك؟ قال: سمعت
رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّ اليسير من الرِّياء شرك، وإن الله يُحِبُّ الأتقياء الأخفياء،
الذين إن غابوا لم يُفتقدوا، وإن حضروا لم يُعرفوا، قلوبُهم مصابيحُ الهُدى، ينجون من كلِّ غبراء
مظلمة))[2].
أما من اشتبه عليه الأمر، فتأتي الفتن التي تصهر المعادن، والابتلاءات التي تميز الخبيث من
الطيب، فمن اختلطت عليه النوايا ولم يستطع استنقاذ نفسه، فإنَّ سقوطه سيكون عند أول منعطف
يتميز فيه الرِّجال، ومن صمد لها وتطهر بها، فهو الذي جاهد نفسه حتَّى خلصت له.
وعند اختبارات الصمود هذه تأتي لؤلؤتُنا الثانية وهى الصبر.
لؤلؤة الصبر:
والصبر لم يخلق إلا للنُّفوسِ الكبيرة، التي تستطيع أن تستعلي على كُلِّ ابتلاء وهَمٍّ، فتصبر
وتحتسب عند الله كل ما تلاقيه من عناء وكبد، إنَّها هي الدُّنيا، الاختبار الكبير، وكيف يكون
الاختبار دون فتن وابتلاءات ومحن تحتاج إلى صبر؟ فلو تأملنا كُلَّ لحظة لنا في الحياة،
لوجدناها تحتاج إلى هذا المعنى الإيماني الراقي.
فعباداتنا صبر لا يصمد له إلاَّ الخاشعون، وتركنا لكل ما نهى الله عنه صبر لا يصمد له إلا
أصحاب الهمم، والابتلاءات بكل أنواعها صبر على ما نكره لا يصمد له إلاَّ أصحاب العزائم؛
ولذا أكَّد الله حبه للمؤمنين الصابرين؛ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]، ثم بشَّرهم
بعظيم أجره؛ {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}
[الزمر: 10]، فمن عظم ثواب الصَّابرين خفاء أجره؛ ليظل الصَّابرون متطلعين إلى الجزاء
الأوفى من ربهم، لا ينظرون إلى دنيا، ولا يأبهون لعَرَض.
والصبر لازمٌ من لوازم المؤمن، الذي نذر نفسه جنديًّا في قافلة الدَّعوة المباركة، فهو
لا بُدَّ متعرض للإيذاء والابتلاء وغير ذلك من أشواك الطَّريق، فإذا صبر وتَحمَّل ومضى بثبات
وعزم فهو على الطريق، وستمنحه تلك الملمَّات عزمات جديدة، يمضي بها شامخَ الرَّأس، مرفوعَ
الجبين، فصبره دليلُ صِدْق وإخلاص، بل هو مدرسته التي يتخرَّج فيها بطلاً مستهينًا بالأخطار،
وبكل ما ينال من تألُّق روحه وإشراقها.
وصبر المؤمن ضياء؛ لأنَّه يمنعه أن يمضيَ مع الجاهلين في سوء أدبهم، فيحلم عليهم ويتصبر،
ويمنعه أيضًا من جَزَعٍ يُفقده الصَّواب والاتِّزان؛ بل يَحفظ روحه ساكنةً هادئة موقنة بأنَّ ما تلقاه
هو الخير، ما دامَ المُبْتَلِي هو المتفضلُ وصاحبُ النعم والمنن الكثيرة، وحقيقة الصَّبر في عقله:
ألاَّ يكون هناك تَشَكٍّ وتذمُّر، أو جَزَعٍ مُتَّصل يعلم به القاصي والدَّاني.
فإذا استعلى المؤمن وصَبَرَ، كان عليه وهو يمضي على ذات الطَّريق أن يتجمَّل بلؤلؤتنا الثالثة،
بالثبات.
لؤلؤة الثبات:
لأنَّ القلبَ أسرعُ تقلُّبًّا من القِدْر في غليانها، فإنَّ الثباتَ يكون هَدِيَّةَ الله للمؤمنين المخلصين،
فالثَّبات يحتاج إلى قُوَّةٍ في العقيدة لا تتأثر بما تُلاقي من فِتَن، فلا تغييرَ ولا تبديلَ؛ بل
وقوفٌ في وجه الباطل إلى آخر لحظة، ثبات كثبات سَحَرَة فرعون أو أصحاب الأُخدود، لا تراجعَ إلى
اللحظات الأخيرة.
وليس الثَّبات في المحن فحسب، بل إنَّ عَظَمَةَ القلوب المؤمنة أنَّها في وقت الرَّخاء أو الشِّدَّة لا
تستجيب لنزعات النَّفس وأهوائها المظلمة؛ بل تثبت على المنهج، وإن بَدَّلَ النَّاس كلهم أو غَيَّروا،
فتصير بذلك علامات يقتدي بها السائرون على الطَّريق، ففي كلتا الحالين ثباتٌ، ظلمات المحن التي
يتقلَّب فيها لا يرى بارقة أَمَلٍ أو نصر؛ غَيْرَ يقينٍ غرسه في أعماق نفسه، أو مُغريات تزوغ لها
الأبصار، وتتهافت أمامها القلوب الخاوية.
إنَّه الصِّدْقُ مع الله؛ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23]، صِدْقُ نِيَّة خَلُصَ بها القلبُ، وصِدْقٌ تتحرك به الجوارح.
ويظهر ثباتُ القلب المؤمن حين يمضي الأحباب وتتفرَّق الجموع، ويبقى هو وحيدًا غير آبهٍ لغربة
أو كربة، فوعدُ الله أمام عينيه يقين، وتحقيقه قريب، حسبه أن يظلَّ سائرًا ثابتًا رافضًا لكُلِّ ما
ينال من عزمات قلبه المتوضأ.
فالمؤمن في ثباته واحتماله للمكاره ينظُرُ إلى غاية قريبة في نفسه وقلبه، وما دامت في قلبه
فإنه سيحرص على أنْ يقيمَ على الأرض دعائمَ راسخةً ثابتة للحقِّ، لا تزعزها الرِّياح الهوجاء،
ولا ينال من عَلْيَائِها الجهلاء والحاقدون.
وللثَّبات فضلٌ علينا جميعًا، فلولا رجالٌ حملوا هذا الحقَّ وهذه الدَّعوة المباركة، فحفظوها وثبتوا
عليها شرعًا ومنهاجًا - ما كانت الأجيال المتتابعة من بعدهم تنعم بصَحْوة إسلاميَّة رشيدة.
وعندما يتزيَّن قلبُ المؤمن بالإخلاص، وتتجمَّل جوارحه بالصبر، ويتلألأُ بين الآخرين بثبات لا يتزعزع،
كان ختام النُّور الساطع لؤلؤة الرضا.
لؤلؤة الرضا:
فالمؤمن الذي صبر واحتسب وثبت عند الشدائد قد رَضِيَ قضاءَ الله وقَدَرَه، فرَضِيَ قبل القضاء بنية
صادقة في قلبه، ورضي بعد القضاء في أدب وحب، رَضِيَ لأنَّ صاحبَ الملك أراد وإرادته هى الخير،
وهي كل ما يصلح لنا؛ بل إنَّه قبل ذلك قد رضي بالله ربًّا ومدبِّرًا للكَوْن، فرضاؤه وتسليمه هو بعضُ
إيمانه وثمرة من ثمرات توكُّله وركونه إليه.
يمضي المؤمن الحق بهذا الرضا رابطَ الجأش، ثابتَ الْجَنَانِ، قويًّا في الحقِّ لا يأبه للمنغِّصَات التي
لا بُدَّ أن تلاقيه تمحيصًا واختبارًا.
والرضا باب كبير من أبواب السَّعادة لا يدخل منه إلاَّ أصحابُ الاصطفاء، فقد يصبرُ العبد ويحلم ويثبت؛
ولكنَّه لا يكون راضيًا، ويظلُّ يحمل في صدره أنات وزفرات وحمم تقذف بعد حين.
إن شأن المستعلي في إيمانه، الراضي عن الله في حكمه شأنُ يعقوب - عليه السلام -: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي
وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، ولسانُ حالِه: رضيتُ فلا شكوى ولا ضجر، قلبٌ لا يعرفُ الجفاء ولا البذاء،
يرى الله هو المنعم والمتفضل، فيؤوب إليه بقلب يقول: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84].
فإذا رضي بالله، ورضي عن الله، امتلأ قلبُه وعقله وكِيانه بالرِّضا، فكان رضيًّا، يشعُّ نورًا على من حوله،
ويسقيهم من بحر إيمانه الزَّاخر لآلِئَ الرِّضا واليقين.
وما زالَ قلبُ المؤمن الحق مَعِينًا لا ينضُب من معاني الإيمان، التي تبقيه على الطريق ثابتًا صلبًا،
مُتوجِّهًا إلى غاية عظيمة هي جِنَانُ الله وفِرْدَوْسُهُ الأعلى.
[1] رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
[2] الراوي: معاذ بن جبل، المحدِّث: المنذري، المصدر: "الترغيب والترهيب"، خلاصة الدَّرَجة:
"إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما".

_______________________________________________


حين تسلم القلوب


حين يزداد طغيانُ النفوس، وتتحكم فينا الشهواتُ الآسرة، ينبغي لنا أن نلتفت للقلب
الذي هو منبع كل خير أو مرتع كل شر وإثم.. علينا -كي ننال حياة السكينة والرضا-
أن نزرع في تربة ذلك القلب أشجارَ الانقياد والتسليم لرب هذا الكون، ولا يكفي أن
تنطق ألسنتنا ونعلنها صباح مساء أنْ لا ربَّ لهذا الكون سواه، بل لا بد أن يشهد
بذلك القلبُ ويسعد بأنه قد هدي إليه.

وعلامة ذلك التسليم؛ أن يرضى ذلك القلب بما يقضيه الخالق، وبما يدبره لكونه،
فلن يحمل حينها ذرة حقد لأخ قريب أو مسلم بعيد، مهما اختلف ذلك معه أو عاداه،
ولن يكوي جدرانه المطمئنة بنيران حسد مستعر لمن أكرمه الله ببعض النعم والآلاء،
إنه قلب أسلم وجهه لله ورضي به ربًّا.

ثم لن يكون القلب مسلمًا راضيًا حتى يتقبل إساءات الآخرين له كحسنات تزيد رصيده
الأخروي، ولن يراها صفعات لا بد من ردها بعد حين، سيصفح وينسى؛ لأن قلبه المسلم
يأبى أن تلوثه مياه البغض الآسنة التي تذهب بهاءه.

لن يعود الخير لأمة الإسلام وللبشرية الحائرة إلا حين تدرك القلوبُ ما هي عليه من
خطر فتعود طائعة مختارة إلى حظيرة الرضا والتسليم، راضية بأقدار الخالق، سعيدة
بما تؤدي من عمل؛ لأنه من تقدير الإله، فتنطق الشفاه ذكرًا حسنًا، ويضيء الوجه ببسمة
الرضا ومعاني القبول، وتتورع الجوارح عن كل إيذاء وشر، فنرى بشرًا تنطق ملامحُهم بالإسلام؛
لأن لهم قلوبًا أسلمت لله وجهتها ورضيت به ربًّا.

_____________________________________________________


سلامة القلوب

الحمد لله العالم بأحوال العباد، ومُصَرِّفِ القلوبِ على ما شاء وأراد، سبحانه لَهُ
تلهَجُ الألسنة الشاكرةُ بمجامع الحمدِ والثَّنَاء، وله المجد والسلطان والعلاء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا
محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه،
وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلله أمر القلوب! ما أعجبَها! وما أسرعَ أحكامَها وتقلباتِها! وما أشدَّ أثرَها
على حياة الناس وحركة العباد! وسبحان مَن خلقها وجعلها ملوك الأبدان، ومصرفة
الأحكام بالميل والنوى، والقرب والبعاد.
ألا وإن هدف الإنسان أن يحيا بقلب خالٍ من العلل والأمراض، بعيدٍ عن الكآبات
والأحزان، ذلك أمل كل مَن له قلب يحيا به ويعيش.
والناس في ذلك ما بين صاحب قلبٍ سليم، مُزاحِ العلل والأوضار الجسمية والروحية،
المانعة لتشرُّبِ نور الهداية؛ فهو على نورٍ مِنْ رَبِّهِ، وما بين معلول بقلبه، قد
أصابته بعضُ الأوجاع في الأوردة والشرايين، وتحالفت عليه أمراض ثِقَال، تُدْنِيه
من الضعف والموت، وما بين صاحبِ قلبٍ ميت، قد أثخنته المعصية بالجراح، حتى
أدركه مثواه الأخير، فصاحب هذا القلب يحتاج إلى مَن يُعَزيه؛ لأنه صاحب بلوى،
قد مات الأمير المحرِّك لتصرفاته وشؤونه، والمصيبة أنه لا يشعر بذلك؛ بل ولا
يتصور أصلاً أن له من هذا الكلام نصيبًا.
وهناك قلب مقارف العلل، على شفا حفرة من التردِّي والسقوط، فكل أعماله لا تنفع صاحبها؛
لأن حاله دائر بين القسوة والنفاق والحسد، وغيرها من أمراض القلوب الفتاكة، وهذا هو
معظم حال الناس؛ إلا مَن رحم الله - تعالى - فهذا القلب وأشابهه هو المعول عليه، وهو
الذي يجب الإسراعُ بإخراجه من الظلمات إلى النور، والقيام بعملية إسعاف فورية قبل أن
يضيع بالموت، برغم أن مَن يحمله يسعى على قدمين.
وليبدأ الإنسان عملية الإصلاح الشاملة بالقلب؛ إنه سيد الأعضاء، والقيِّم عليها، ومحركها
وآمرها؛ قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجسد مضغةً، لو صلَحتْ لصلَح
الجسدُ كله، ولو فسدتْ لفسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب))؛ (رواه البخاري 52، بسند صحيح
عن النعمان بن بشير)، فإذا كان السيد أعوجَ، فما حيلة العبيد؟! والسيد هو القلب المسيطر
بمشيئته على الجوارح، والعبيد هم بقية أعضاء البدن.
ويوم القيامة ستنجلي القيمة العظمى للقلب السليم، الذي سيذهب بكل حطام الدنيا الذاهب
مع فنائها؛ قال الله - تعالى -: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
[الشعراء: 88، 89].
بركاتُ القلب السليم:
وهنيئًا لمن داوم على إصلاح قلبه، وتعهَّدَه بحسن الرعاية والمتابعة، وحفِظَه من أغيار السوء،
التي تُنَكس أعلام فطرته، وتجنح به إلى مهاوي السقوط.

إن المؤمن متى داوم على ذلك، ضَمِن وراثة النعيم في جنات الخلود؛ بل ويبشره النبي الكريم
- صلى الله عليه وسلم - بذلك، فأول زمرة يدخلون الجنة: ((لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم
على قلب رجل واحد))؛ (البخاري 3245، بسند صحيح عن أبي هريرة)، وعنه أيضًا: أن النبي
- صلى الله عليه وسلم - قال: ((يدخل الجنة أقوام، أفئدتهم مثل أفئدة الطير))؛ (مسلم 2840،
بسند صحيح)؛ وذلك لأنهم جاهدوا على طريق الهداية وطهارة القلوب فى الدنيا، فكانت مكافأتهم
من جنس أعمالهم؛ أليس هم الذين طلبوا من ربهم ذلك؟! قال الله - تعالى -: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا
الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}
[الحشر: 9]، هكذا كان حالهم في الدنيا، وقد أكرمهم ربهم - سبحانه - بما طلبُوه وتمنَّوْه؛
قال الله - تعالى -: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47].

وصاحب القلب السليم يفوز بالنعت الجميل من النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وذلك كما
جاء في الحديث: "قيل: يا رسول، أيُّ الناس أفضل؟"، قال: ((كل مخموم القلب، صدوق اللسان))،
قالوا: "صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟"، قال: ((التقي النقي، الذي لا إثم فيه،
ولا بغي، ولا حسد))؛ (المنذري في "الترغيب" 4/ 33، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، بسند صحيح).
ولا تزال طهارة القلب بالعبد، حتى تكون سببًا له في قبول أعماله الصالحة؛ فإن الله - تعالى
- يَقبَل العمل ما صاحبتْه نيةٌ صالحة، أما أهل الشحناء والبغضاء، فهم موقوفون عن القبول
حتى يتم الصلح بينهم؛ قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((تُعرض الأعمال كلَّ اثنين
وخميس، فيغفر الله - تعالى - في ذلك لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءًا كانت بينه وبين
أخيه شحناء، فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا))؛ (مسلم 2565، بسند صحيح عن أبي هريرة).
أمارات القلب السليم:
والقلوب لها أمارات بها تعرف، وتظهر معادنها ومخبَّآتها، والجسد هو المترجم الحثيث عن
آمالها وظواهرها، قال الشاعر

إِنَّ الكَلاَمَ لَفِي الفُؤَادِ وَإِنَّمَا جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الفُؤَادِ دَلِيلاَ
وقد يتذوق الناس طعمَ مشاعرهم بالإحساس؛ ولكنَّ هناك أمورًا ظاهرة، وإشاراتٍ باديةً يعرف
أولو الألباب من خلالها بعضَ الأسرار الباطنة، التي تبدو أماراتها على العالم الخارجي
في ظاهر البدن، فتبوح عن القلوب بأسرارها.
وهكذا؛ يمكن التعرف على بعض العلامات الخاصة بالقلب السليم، والتي منها:
* أنه مرتحل دائمًا عن الدنيا، حتى يحل بالآخرة، وينزل إلى ساحاتها المرهوبة، حتى
يظن مَن يرى صاحبَ هذا القلب أنه من أبناء الآخرة، وليس من أبناء الدنيا، ويرى الناسُ من
صفاته أنه جاء إلى الدنيا كالغريب الذي يمر بأرض قومٍ؛ حتى يقضي حاجةً منها، ثم يعود
إلى قومه وأهله ووطنه؛ قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - لعبدالله بن عمر: ((كن في
الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، وعُدَّ نفسك من أهل القبور))؛ (البخاري 5037).
فكلما صحَّ القلب مِن مرضه واستقام، وسَلِم من آفات الدنيا، ترحَّل منها إلى الآخرة حتى يصير
من أهلها، وكلما مرض القلب واعتل، آثر الدنيا، وركن إليها، واستوطنها، وإحساس الغربة
الآسر في نفس المؤمن، هو الشعور الدال دومًا على سلامة قلبه، وسمو فطرته؛ لأن آماله تتلخص في
الجنة، ميراث أبيه الأول آدم - عليه السلام -:

فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا مَنَازِلُنَا الأُولَى وَفِيهَا المُخَيَّمُ
وَحَيَّ عَلَى رَوْضَاتِهَا وَخِيَامِهَا وَحَيَّ عَلَى عَيْشٍ بِهَا لَيْسَ يُسْأَمُ
وَلَكِنَّنَا سَبْيُ العَدُوِّ فَهَلْ تُرَى نَعُودُ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلِّمُ

* ومن أمارات سلامة القلب: أن صاحبه يَحنُّ إلى الطاعة ويهواها، كما يشتاق الجائع إلى
الطعام، والظمآن إلى الماء، والعليل إلى الدواء؛ لأنه يرى في الطاعة راحة الروح،
وملء فراغاتها بعيدًا عن مواطن التهلكة.
* ومن أمارات سلامة القلب: أنه متعلق دائمًا بربه ومولاه، فهو يأرز إلى التوبة والإنابة،
ويتعلق بالله تعلُّقَ الحبيب الصبِّ بحبيبه، فلا يرى راحة، ولا فلاحًا ولا نعيمًا إلا برضا ربه،
وقربه والأنس به، فيسكن إليه، ويأوي إليه، ويفرح به، ويخافه ويرجو رحمته، ويتوكل
عليه، ويدمن ذكره عند جلاَّسه وفى نفسه، فإذا حصل له ذلك، اطمأنَّ وزال اضطرابه وقلقه،
وانسد باب الفقر من عينيه، وجاءت أعلام السلامة من كل سبيل.
قال بعض العارفين: "مساكين أهل الدنيا؛ خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل:
وما هو؟ قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره وطاعته"، وقال
أبو الحسن الوراق: "سلامة القلب في ذكر الحي الذي لا يموت، والعيش الهني:
الحياة مع الله لا غير".
* ومن علامات سلامة القلب: ذهاب الهم والغم، وحصول الراحة مع الصلاة والصيام وسائر
القربات.
* ومن العلامات أيضًا: أن صاحب القلب السليم يشح بوقته على الدنيا وتوافهها أشدَّ من شح
البخيل بماله، دارجًا عمره كله في ظلال قوله - تعالى -: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
أمراض القلوب:
لو وُجِّه سؤالٌ إلى أحد من الناس عن أمراض البدن، لعرَفها وذكر منها: السكري، والضغط،
والفالج، والجلطات، والعمى، والسرطان، والإيدز، والطواعين... وغيرها مما يشتهر بين
الناس؛ ولكن هل نحن على علم، أو مجرد معرفةٍ بأمراض القلوب؟ خصوصًا وإن القلب معرضٌ
دائمًا لفيروس المرض المهلك، والقاتل لإدراك هذا القلب؛ روى حذيفة بن اليمان
- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تُعرَض الفتن على القلوب كعرض
الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشرِبها، نُكتتْ فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكتت
فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين: قلب أبيض مثل الصفا؛ فلا تضره فتنة ما
دامت السموات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادًّا – مقحطًا - كالكوز مُجَخِّيًا - فارغًا مقلوبًا -
لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا؛ إلا ما أُشرب مِن هواه))؛ (ذكره الألباني في
"صحيح الجامع" 2960، بسند صحيح).
عوارض المرض:
ولكل مرض عارضٌ يُظْهره؛ فمرض اليد: أنْ يتعذر عليها البطش، ومرض اللسان: أن
يتعذر عليه النطق، ومرض البدن: أن يتعذر عليه حركته الطبيعية.
أما مرض القلب، فهذا شيء آخر، بحيث يتعذر عليه ما خلَقَه اللهُ له مِن معرفته ومحبته،
والشوق إلى لقائه، والإنابة إليه، وإيثاره على كل شهوة، وتذكُّره عند كل نعمة ونقمة؛
يقول ابن القيم - رحمه الله -: "فلو عرَف العبد كل شيء ولم يعرف ربه، فكأنه لم يعرف شيئًا،
ولو نال كل حظٍّ من حظوظ الدنيا، ولذاتها، وشهواتها، ولم يظفر بمحبة ربه، والشوق إليه،
والأنس به - فكأنه لم يظفر بلذة، ولا نعيم، ولا قرة عين".
قد يمرض القلب ويشتد مرضه، وصاحبُه لا يعرف ولا يشعر به؛ لأنه مشغول عن ذلك؛ بل قد يموت القلب
- عياذًا بالله - وصاحبه لا يشعر بموته.
وعند التأمل في حياة كثير من الناس، تجدهم أبعد شيء عن ربهم، وعن الصدق معه، وعن دينهم،
وعن القيام بمسؤولياته، ترى الذنوب والفواحش التي يستحيي إبليس مِن تصوُّرها، ترى المعاصي
على كل لون، وبألف طريقة، ترى الناس في غفلة، وشرود، ولهوٍ، وصدٍّ عن سبل الهدى
والفلاح، وما الرين، وغلبة الهوى، والقسوة، وجمود العين، وموت الضمير، وعدم
الندم على فعل المعصية، وغير ذلك - كله ما هو إلا صور تستجلب العبر من أمراض القلوب،
التي عمَّت بها البلوى، وإلى الله المشتكى؛ {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ
* مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: 1 - 3].
كيف يتذوق الإنسان طعم الحياة بجسم متيقظ على الشهوات والمعاصي، وبقلب مريض أو ميت؟!
بل كيف يتذوق طعم الإيمان، وعنده هذه العوائق والعقبات؟ إن مرض القلب أو موته هو
التفسير المنطقي لحياة كثير من البشر الذين استيقظت شهواتهم، وماتت قلوبهم.
ومن الناس مَن يشعر بمرض قلبه، ولكن يشتد عليه تحملُ مرارة الدواء والصبر عليها،
وتارة يوطِّن نفسه علي الصبر، ثم ينفسخ عزمه، فيرجع عن الطريق، ولا سيما عند قلة
الرفيق، وعند الوحدة، فحاله يقول لو نطق: أذهب مع الناس حيث ذهبوا،
وهذه حال أكثر الخلق.
علامات مرض القلب:
وللقلب المريض علامات تميزه عن غيره؛ منها:
* أن صاحب القلب المريض ينفر دائمًا من الأغذية النافعة، ولا أنفع للقلب من هدايات
الدين، المتمثلة في الكتاب والسنة، وهدي السلف الصالح - رضوان الله تعالى عليهم
أجمعين - فمَن آنس من نفسه هذا المعنى، فليوقن بأن قلبه فيه عطب حينما ينفر من
أغذية القلب؛ كحضور مجالس العلم، وتلاوة القرآن، وحلقات التعليم والمدارسة؛ قال الله
- تعالى -: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].
* أن صاحب القلب المريض لا تؤلمه جراحاتُ المعاصي، والقبائح التي يرتكبها، ولا يزال
يعمل القبيح، ولا يرعوي، ولا يتعظ إذا وُعظ؛ فهذا قلب محروم من التوفيق بجراح القسوة.
* بل إن القلب المريض يجد صاحبُه لذةً في المعصية إذا عملها، ويجد راحة بعدها،
ولا يلدغ ضميرَه شيءٌ من الندم.
* أن صاحب القلب المريض يقدِّم الأدنى على الأعلى، ويهتم بتوافه الأمور وينسى أعلاها،
ويقدم العاجلة على الآجلة، والقلب أساسًا مثل الطائر، كلما اقترب من الأرض وتسفل،
اقترب من الآفات، وكلما علا، بَعُد عن الآفات والمكاره.
* ومن علامات القلب المريض: أن صاحبه يكره الحقَّ، ويضيق صدرُه به، وأسوأ
منه مَن يجادل في ذلك.
* ومن علامات القلب المريض: أن صاحبه يكره الصالحين، ويتوحش منهم، ويتألف أهل
المعصية، ويأنس بالمذنبين.

أسباب معينة على سلامة القلب:
وهناك من الأمور ما يعين اللهُ به على المحافظة على القلب حتى يظل سليمًا؛ منها:
* الدعاء الدعاء، فهو باب من أبواب الراحة القلبية، حينما يلجأ العبد إلى ربه
ومولاه؛ لأنه على يقين أنه ما بعد الدعاء إلا الإجابةُ، قال الله - تعالى -: {وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
[البقرة: 186]، وليُكثر المؤمن من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالثبات على الدِّين،
حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يلهج دومًا بهذا الدعاء: ((يا مقلب القلوب،
ثبِّت قلبي على دينك))؛ (الترمذي 3522، عن أم سلمة، بسند حسن)، وليستعن بالله
- تعالى - في دفع خطرات السوء إذا هيجها الشيطان، أو عوارض الدنيا، وليقل مع
الصحابة والصالحين: {وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا} [الحشر: 10]، واسأل الله
دومًا أن يعينك على قلبك.
* حسن الظن بالناس، وعدم تفسير المواقف وحملها على الظن السيئ؛ فقد قال الله
- تعالى -: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، وقال - تعالى -: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ}
[الأنعام: 120].
دخل رجل على الإمام الشافعي وهو مريض، فقال: قوَّى الله ضعفك يا إمام، فقال الشافعي:
لو قوى ضعفي لقتلني، قال الرجل: والله ما أردتُ إلا الخير، قال الشافعي: أعلمُ أنك
لو سببتَني ما أردتَ إلا الخير.
* الدفع بالحسنى، قال الله - تعالى - {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
[فصلت: 34]، وليس هذا من باب الضعف أو العجز؛ ولكنه من الكياسة وحسن الخلق، ثم إن
ذلك يبعد الشُّبه التي تخطف القلبَ من صاحبه، وتُوقِعه في شرك التخيلات الوهمية السامة.
* الهدية باب من أبواب صلاح القلوب بين أطراف المجتمع، فقد ورد قوله - صلى الله عليه وسلم
-: ((تهادوا تحابوا))؛ (أخرجه العراقي في "هامش الإحياء" 2/53 عن أبى هريرة بسند جيد)؛
فالهدية تذهب بسخائم القلوب، وتعيد لها عافيتَها، وصدق مَن قال:

أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدْ قُلُوبَهُمُ لَطَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ

وأخيرًا:
تعهَّد قلبَك بالرعاية؛ لأنه متقلب، واختبر مشاعره وأحاسيسه دومًا، واصنع له متابعات
دائمة من الاكتشاف المبكر للأمراض التي تحاول الاقتراب منه، واعلم بأن القلب لا يمكن
أن يحيا بلا قُوتٍ ولا غذاء، فكما أن البقول والفواكه والمشروبات وغيرها أغذية الجسم،
فالطاعة والتعلم وصنوف العبادة وغيرها - من أهم الأغذية النافعة للقلب.
* واعلم: بأن صاحب القلب المريض لا يرى الأشياء على حقيقتها، ولا يرى الناس على حقيقتهم،
ولا يعرف الحياة على حقيقتها؛ لأن العبرة ليست بنواظر العيون، وإنما ببصيرة القلوب؛ قال الله
- تعالى -: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا
وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].
ويقول أبو فراس:
وَتَاللَّهِ مَا الأَبْصَارُ تَنْفَعُ أَهْلَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلمُبْصِرِينَ بَصَائِرُ

أما القلب الميت، فنسأل الله له الرحمة.
والحمد لله في بدء وفي ختم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ساندي
مشرف عام
مشرف عام
ساندي


الجنس : انثى
عدد الرسائل : 1861
المزاج : **********
تاريخ التسجيل : 14/02/2009

سر الجمال الحقيقي للإنسان Empty
مُساهمةموضوع: رد: سر الجمال الحقيقي للإنسان   سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالثلاثاء 14 سبتمبر 2010, 11:15

بارك الله فيك اخي

موضوع مميز

سر الجمال الحقيقي للإنسان 843420
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رائد السوفي
مشرف عام
مشرف عام
رائد السوفي


الجنس : ذكر
عدد الرسائل : 7777
الموقع : وادي سوف
المزاج : football
تاريخ التسجيل : 22/01/2010

سر الجمال الحقيقي للإنسان Empty
مُساهمةموضوع: رد: سر الجمال الحقيقي للإنسان   سر الجمال الحقيقي للإنسان Emptyالثلاثاء 14 سبتمبر 2010, 14:07

مشكووووووووور بارك الله فيك
سر الجمال الحقيقي للإنسان 352165
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-souwafa.ahlamontada.com/index.htm
 
سر الجمال الحقيقي للإنسان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجمال الحقيقي
» ما هو الحب الحقيقي؟؟؟؟؟
» الحب الحقيقي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى السوافة :: المنتدى الديني :: قسم الدروس والمواعظ-
انتقل الى: