رمضان في عيون الصالحين
ينظر الصالحون إلى شهر رمضان نظرة التجار إلى مواسم تجارتهم المختلفة , التي يرجون فيها رواجها وتحقيق أرباح كبيرة , فإذا جاء الموسم شمر هؤلاء التجار عن ساعد الجد ونشطوا في العمل مضجعين براحتهم , يواصلون الليل بالنهار , ولا يبالون ببرد أو حر , أو جوع أو عطش لأن من ذاق حلاوة الربح هانت عليه المصاعب والمشاق , هذا حال تجار الدنيا يجدون ويكدون من أجل ربح قد يكون أو لا يكون , وحتى إذا تحقق على أحسن ما يريدون فما هو إلا عرض حائل وضل زائل .
أما تجار الآخرة فإنهم يرجون تجارة لن تبور , فربحهم عند الله مضمون , لا يحول ولا يزول لأنها تجارة مع الله الكريم الذي يوفى الأجر بغير حساب كما وعد في كتابه الكريم (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )) (الزمر : 10) .
وكيف لا يكون هذا هذا حالهم وهم يعلمون حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة ((قد أتكم شهر رمضان , شهر مبارك , كتب الله عليكم صيامه , فيه تفتح أبواب الجنان , وتغلق أبواب الجحيم , وتغل فيه الشياطين , فيه ليلة خير من ألف شهر , من حرم خيرها فقد حرم )) ويلاحظ :
((قد أتاكم شهر رمضان)) فإذن فهو يختلف بلا شك عن باقي شهور العام فلينتبه الصالحون .
2_ ((شهر مبارك)) حقيقة يعلمها الصالحون ويستشعرونها ويتمنون السنة كلها رمضان .
3_ ((كتب عليكم صيامه)) فصيامه فريضة وثواب الفريضة كبير لا يعلمه إلا الله وهو أحد أركان الإسلام الخمسة
4_ (( فيه تفتح أبواب الجنان )) فيا له من فضل من الله عظيم لمن اشتاقت نفوسهم للجنة ونعيمها , فهيا إلى العمل
5_ ((وتغلق أبواب الجحيم)) ويا لها من رحمة الله عز وجل وبشرى للمؤمنين .
6_ ((وتغل فيه الشياطين)) فلا عذر لك إن ارتكبت معصية فإنما هي نفسك الأمارة بالسوء فكن لها بالمرصاد .
7_ ((فيه ليلة خير من ألف شهر)) وهي ليلة القدر ويا لها من ليلة ينتظرها الصالحون مرة واحدة في العام يدركون بها فضائل ألف شهر أو تزيد .
8_ ((من حرم خيرها فقد حرم)) ترهيب ووعيد لمن يقصر في تحصيلها وتمر عليه مرور الكرام , فإن هذا والله هو الحرمان ولا شئ سواه .
فيا سعادة من أعطى لهذا الشهر حقه , فتقرب إلى مولاه بالبر والطاعات وواظب على الجمعة والجماعات , وطابت فيه سريرته , وحسنت علانيته , وعزل عن الناس شره وصان عن اللغو والفحش لسانه , وكف عم الحرام عينه وأذنه , وهذبه الصوم فكان صابراً متواضعاً تقياً , صادقاً أميناً وفياً , عطوفاً على الفقراء , رحيماً بالضعفاء , كريماً جواداً سخياً , ففاز بالخير العظيم وخرج من رمضان كيوم ولدته أمه , قد كتبه الله من الذين أعتق رقابهم من النار بفضله ورحمته ومنته وكرمه ولم لا وهو الله الرحمن الرحيم العفو الرءوف الغفار .