السيرة الهلالية هي واحدة من السير الشعبية العربية، وهي عبارة عن ملحمة طويلة تغطي مرحلة تاريخية كبيرة في حياة بني هلال المعروفة بهجرة بني هلال، وتبدأ جذورها في سيرة الزير سالم جد الهلالية.ومن هذا ما ذكر كتاب شعراء السيرة الهلالية "قال الراوي: بعد وفاة الزير أبي ليلى المهلهل وضعت امرأة الأوس غلامًا سمّوه عامرًا وعندما بلغ سن الرجولة تزوج بامرأة من أشراف العرب فولدت له غلامًا في نفس الليلة التي مات فيها جده الجرو فسمّاه هلالا؛ وهو جدّ بني هلال، ..." ثم تمتد لتشمل تغريبة بني هلال وخروجهم إلى تونس. و هي السيرة الأقرب إلى ذاكرة الناس، والأكثر رسوخًا في الذاكرة الجماعية. وتبلغ نحو مليون بيت شعر.ومن السيرة الهلالية تتفرع قصص كثيرة مثل قصة الأمير أبو زيد الهلالي وقصص أخته شيحة المشهورة بالدهاء والاحتيال، وسيرة الأمير دياب بن غانم الهلالي، وقصة زهرة ومرعي. وغيرها من السير المتراصة التي تشكل في مجموعها ما يعرف بسيرة بني هلال. وهم قبيلة عربية تغلب عليها الفاطميون بعد عدائها لهم فنقلوها إلى صعيد مصر أول مرة ثم بدا لهم أن يتخلصوا منها نهائيا ومن أعدائهم في المغرب فسمحوا لها ولأحلافها بعبور النيل. وهكذا بدأت ملحمة دامت عدة قرون هذا ما جاء في الكتب أما في الموروث الشعبي فيقال أن بني هلال كانوا يسكنون بأرض فلاة ويعيشون على ما تدره عليهم أنعامهم ومواشيهم وفي إحدى السنين حدث قحط وجدب شديدان حتى قيل أن الرياح قد توقفت, ولم تعد الأمطار تهطل على بلادهم, وكان في أرضهم جبل يقال له ( يهر) وكانت لديهم أشجار صغيرة تسمى (الورس) وهي شجرة تستخدمها النساء بعد سحقها وأضافت بعض المواد إليها في زينتهن .
فأمروا أحدهم بأن يصعد إلى الجبل ويضع (الورس) على أحد الصخور في القمة , وكانوا يترددون عليه بعد كل عشرة أيام وذلك ليتأكدوا من وجود الورس على ما هو عليه أم إنه تغير , وسبب ذلك ليروا ما إذا كانت الأمطار ستهطل على بلادهم أم لا وهم غائبين عنها باحثين عن الماء والكلى في منازل القبائل الأخرى. وبعد غياب سنة عن بلادهم عادوا ليجدوها كما كانت ولم ينقص منها شيء فقال أحد شعراءهم :
طرحنا وقية ورس في حيدنا يهـر ودور السنة جينا وهي في قرورها
لا هـزت العليـاء والمشـرقيـة ولا في أيام المقيضه حـرورهـا
فعزموا على الرحيل من هذه البلاد ليبحثوا لهم عن أرض فيها من الماء والكلى ما يعيشهم وأنعامهم , فأرسلوا أبو زيد الهلالي وأولاد حسن بن سرحان الاثنين ومعهم سعد وسعداً هذا عبداً لحسن بن سرحان وسافروا الفرسان الأربعة , فمروا في طريقهم بأرض اليمن إلى السعودية ثم الشام وتركيا , وكانوا في كل بلاد يمرون بها ينظرون ما فيها من منافعهم وما في أهلها من كرم الضيافة وشدة البأس لكي يسكنوها إما بسلام أو بحرب إذا كان أهلها ضعفاء حتى وصلوا إلى بلاد المغرب فدخلوا تونس وأعجبوا بها أيما إعجاب و من هناء بدأت الملحمة...
تنحصر منازل بني هلال في الجاهلية وصدر الإسلام بالطائف والجهات الشرقية منه وأجزاء من عالية نجد من حيث كانوا يجاورون بني عمهم بنو عامر من الجنوب والغرب، ولم يذكر لهم منازل في شرق نجد. وقد كان بنو هلال ضمن القبائل التي شاركت في الفتوح الإسلامية أيام الخلفاء الراشدين. وقد انتقل كثير منهم كسائر القبائل الأخرى إلى المناطق المفتوحة وقد ذكر الهمداني في مواضع متفرقة من (كتاب صفة جزيرة العرب) أن منازل بني هلال في تربة ورنية ووادي جلدان وعكاظ التي كان ينعقد بها اكبر أسواق العرب في الجاهلية. وأشار الأصمعي والفيروز أبادي إلى أن جل منازلهم في الحجاز.وقال الاصطخري (يغلب على نواحي شرق مكة بنو هلال). وذكر الشيخ عبد الله بن خميس في كتابه (المجاز بين اليمامة والحجاز) أن مران شمال شرق الطائف كانت قاعدة رئيسية لهم في الماضي، وأنها كانت مدينة عامرة كثيرة الآبار تجود فيها زراعة النخيل ويطيب القمح، كما أشار الشيخ سعد بن جنيدل في كتابه (عالية نجد) إلى بعض الأشعار الشعبية المنسوبة إلى مهلهل وعليا من بني هلال، كما يقال والتي ورد فيها ذكر لأجزاء عالية نجد كوادي سميرا وذريع وغسل .
وبقي بعضهم في منازلهم القديمة.و بعضهم قاموا بموجة هجرة كبيرة من نجد مخترقين مصر عابرين إلى المغرب العربي، بعد ما مر بهذه الأرض من مجاعة أهلكت الجميع. واستوطنت تلك القبائل أرض تونس، بعد أن زحفت إليها تسوق رجالها ونساءها.
السيرة الهلالية بين الأصل و التاريخ:
رواة سيرة بني هلال الشعبية هم من العامة والذين لا يقرءون ولا يكتبون في غالب الأمر، وإنما تناقلونها خلفًا عن سلف. ولو قمنا بمقارنة بين ما بقي من أحداث هذه السيرة الشعبية في الذاكرة الجماعية وبين ما تتداول في الأسواق من كتب السيرة الهلالية لوجدنا إنهما يشتركان في شخوص وأبطال تلك السيرة الشعبية والخطوط العريضة لتلك السيرة، ولكنهما يختلفان في الكثير من التفاصيل الخاصة بها. ففي الوقت الذي يقول فيه رواة السيرة الشعبية المتداولة عن تغريبة بني هلال أن أبطال تلك السيرة وقبائل بني هلال قد انتقلت من مناطق شبوة وتحديداً أودية مرخة وجردان والكور ومناطق الكسر في حضرموت. نجد السيرة المتداولة في الأسواق لا تشير إلى المناطق التي انطلقت منها القبائل الهلالية وبشكل تحديدي وإنما هي تكتفي بالقول بأنها قبائل عربية جاءت من مناطق نجد والحجاز. لكن رواة السيرة الشعبية لا يوافقون على ذلك وإنما يجعلون هذه المناطق المشار إليها آنفاً كمناطق إنطلاق ومناطق سكن قديمة لتلك القبائل العربية بل ويصرون بأن عدداً من القبائل العربية التي ما زالت تقطن تلك المواضع القديمة هي قبائل هلالية دون شك ومن تلك القبائل حسبما يقال قبائل النسيين في وادي مرخة وقبائل النمارة بوادي جردان وقبائل خليفة في حواضن عتق. وآل بن ماضي في وادي عمد
ومن سمات السيرة الهلالية الأكثر بروزا تزاوج العنصرين الغنائيين الأساسيين الغرامي و الحربي أو الحب و البطولة هو الذي تكونت فيه سيرة بني هلال في صورتها الأخيرة و قد بلغ هذا التزاوج أوجه في الديوان الخاص بالجازية الذي يقوم على إيثار الحب القومي العام على الحب الخاص و في المواضع التي تظهر فيها سعدى ابنة خليفة الزناتي صاحب تونس في الزيادة و التغريبة على السواء حيث تغلب الحب الخاص على الحب القومي العام فتعين الغدر على الظفر بابيها و بلادها
مقتطف من السيرة :مأساة رزق
رزق بن نايل بن جرامون بن عامر بن هلال، والذي بلغ من العمر عتياً دون أن يرزقه الله بالابن الصالح الذي يخلف والده في قيادة جيش قبائل الحلف الهلالي ويرث السيف والاسم والتاريخ.
بَلَغْني الكَِبر يا ضَهْري وحَنيتْ من الله ..تُقْضَى المَصالح
بكيت ع البلاوي ..وحَنِّيت في بيتي مافيش طفل فالح
"باُلوُجْ" بعيني من يمين وشمال على طِفل عِنْدي يلاغيني
جاتني الليالي سودا وشومال قادر يارب تراضيني
وظل عدم الإنجاب يؤرق رزق وكل عرب بني هلال فحملوا مأساة قائدهم في قلوبهم ولم يجد رزق أمامه سوى الصلاة والدعاء لله، و امتطاء فرسه للجبال لمطاردة الغزلان والهروب من أفكاره.
وفي أحد الأيام وأثناء وجوده في الصحراء أتاه هاتف من السماء قال له "يا رزق إذا كنت تريد الإنجاب تزوج من أرض الحجاز"، قص رزق ما حدث له لابن عمه "سرحان" الذي نصحه بالحج إلى بيت الله لعل الله يوفقه في الزوجة الصالحة التي تنجب له وتحقق ما فشل فيه من تزوجهن من قبل.
سمع ندا من قِبَل الله " ياخي كل مّنا .. وسعيدَه
يا رزق إصْغَى علَى الله تزوّج في مكة السعيدة
ذهب رزق بالفعل في ثمانين فارس للحج إلى بيت الله الحرام وتحمل تكاليف كل من ذهب للحج هذا العام، وانقضت المناسك دون أن يعثر على زوجة، وتصادف في تلك السنة أن يحج الأمير " قُرضة الشريف" حامي الحرمين وحامل مفتاح الروضة الشريفة وكان لقُرضه ابنة جميلة تحفظ القرآن وأشعار العرب وتاريخهم وأيامهم رفضت كل من تقدم لخطبتها فقرر قُرضة وزوجته طيبة بنت منصور أن يذهبوا جميعا للحج لعل الله يفك عقدتها.
مَدْح النبي خَدْتُه تَجْرَه أحمد .. حبيب الحبايب
عند "قُرْضِة" بنت تُسْمى "خضرة" دواماً ..تتْلُو في الكتايب
رأت خضرة رزق فأعجبت بخلقه وشهامته وفروسيته وسهره على القوافل طوال الطريق.
راجل فتوِّةُ عُرْبان غندور.. فيه الكفاية
ولا شفنا عليه عَربان فارس.. ونِعْم الرباية
عندما يعرف الأمير قُرضة أن رزق يريد الزواج لكي ينجب أبناً يرث سيفه وأسمه قبل أن يموت عرض عليه الزواج من ابنته قائلاً :
عِندي بنيّه .. صبيّة الرِّيق يِبْري السِّماتي
تحاكي النَجمة البَدرّية تفوق القمر في السَّماتي
يتفاءل رزق بحديث قُرضة ويقول له:
إسأل أمها تُبْلِغْها عَنّي يمكن هّية اللّي قَسْمنالي
وهيه اللي قُرّة عَنّي وهيه اللي أم عيالي
دخلت الأم "طيبة" لتسأل خضرة عن رأيها في الزواج من رزق منبهه إياها لكونه أكبر منها في السن.
قالت طِيبة: بس ده مُسِنّ يا خضرة.. وأنتي غَضّة
قالت: حيكون أحنّ مِن أميّ اللي ربَّت.. وقُرضَة
وتحققت نبوءة الهاتف وتزوج رزق من خضرة على الرغم من فارق السن الكبير بينهم والذي يصل لـ45 عام وعاد بها إلى نجد.
ضرب طبلهم يوم ما وَصَل لِبَعض.. زفوّا التهاني
بالفرح والعز أوصال في النجع عِلِتِ الأغاني
أنجبت الأميرة خضرة ابنتها "شيحة" ففرح بها رزق وحمد الله قائلاً هذه المرة أنجبت الأنثى وفي المرة القادمة تنجب الذكر.
محجوبة فعال البنيّة عَلَى الكِتْف محلى الوشيحة
رُزِق رِزْق منْها ببْنية معَ الفرْح سمّاها "شِيحَة"
قال البطل: الحمد لله عجبني أمر الوَلادي
رضيت بما قَسَمَهُ الله الأُنثى وراها الوِلادي
توقفت خضرة عن الإنجاب لمدة 11 عام فبدأ اليأس يدب في قلب الأمير رزق والذي يريد الولد لكي يرث أمواله وخيوله وجماله.
لقي المال شمال ويمين إيشي خيول وإيشي جمالي
قال "يا مال بَعْدي يورثَك مين وأنا عديم العيالي؟
هذه هي سيرة بني هلال و هي تندرج ضمن الادب الشعبي و جائت على شكلين نثري و شعري و شعري يقرا بالعامية لانه ادب شعبي و كذلك لكي يسهل حفظها في الذاكرة الشعبية ارجو الاستفادة من هذا الموروث الشعبي الرائع