بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف وأشهد أن لا اله الله ، احتفل بمولد نبينا في عالم الأنبياء ، كلما بعث الله نبيا أخذ عليه العهد أن يؤمن بمحمد ، اسمع معي الى ما قاله رب العزة{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }آل عمران81 . لتؤمنن به أي بمحمد ، ولتنصرنه أي محمد. إذا أدركم زمانه فاّمنو به وانصروه ، وإذا لم تدركوا زمانه فوصوا أتباعكم أن يؤمنوا به، وأن ينصروه، هكذا . ثم طلب الله من الأنبياء أن يقروا فأقروا جميعا ثم شهد رب العباد على ذلك إكراما للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
تجلى مولد الهادي وعمت ... بشائره البوادي والهضابا
وأسدت للبرية بنت وهــب ... يدا بيضاء طوقت الرقابــا
لقد ولدته وهاجا منيــــرا ... كما تلد السماوات الشهابا
فقام على سماء البيت نورا ... وفاح القاع أرجاء وطابـا
أبا الزهراء قد جاوزت قدري ... بمدحك بيد أن لي انتسابا
فما عرف البلاغة ذو بيــــان ... إذا لم يتخذك له كتـــابـــا
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد رسول الله ، وصفه مولاه بأنه سراج منير.
قال تعالى : {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً }الأحزاب46.
فأنا المحب ومهجتي لا تنثني ... عن وجدها وهيــــــامها بمحمد
قد لامني فيه الجهول ولو درى ... معنى الهيام به لكان مساعدي
سيدي أبا القاسم يا رسول الله يا جلاء بصري يا ذهاب همي وغمي وحزني يا نور قلبي ، يا طب القلوب ودواءها ، يا نور
الأبصار وضياءها ، يا عافية الأبدان وشفاءها . صلى عليك الله يا علم الهدى، ما هبت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم
أما بعد:- .
مع مولد الحبيب الهادي نعيش اليوم نتنسم عبيرا فواحا ، وندرك عناية الله بحبيبه، فتعالوا لنر نسبه، هو محمد بن عبدالله
بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن
خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن مزار بن معد بن عدنان الذي ينتهي نسبه الى اسماعيل بن ابراهيم عليهما وعلى
نبينا الصلاة والسلام . أما نسبه من ناحية أمه ، فأمه امنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم بن مرة بن كعب بن
لؤي بن غالب ابن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن مزار بن معد بن عدنان التي
ينتهي نسبها الى اسماعيل وابراهيم عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام.
تعالو بعد ذلك لنر العناية الإلهية التي اختارت له الأسماء .فأما اسمه فمحمد ، لا حنظلة ولا جبلة ولا عبد عزى ولا عبد هبل ،
إن عبد المطلب لما بشر بمولده سماه محمدا . وسألوه: لما سميته بهذا الإسم يا عبد المطلب؟ والعرب لا تعرف هذا الإسم؟
فقال عبد المطلب سميته محمدا ليحمد في السماء والأرض
.
لي فيك يا أرض الحجاز حبيب ... نور العيون وللقلوب طبيب
في الارض أحمد في السماء محمد ... ولدى الإله مقرب وقريب
هو محمد أبوه عبد الله. كلمة إن دلت على شيء فانما تدل على خالص التوحيد، نعم عبد الله ، وهل هناك معبود إلا الله . وامه
آمنة ، الأمن والأمان .وحاضنته أم أيمن ، اليمن والبركة ، القابلة التي ولدت أمه هي الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف.
مرضعته حليمة السعدية. حلم وسعادة . البلد الذي ولد فيه مكة البلد الأمين ، الشهر الذي ولد فيه ربيع حيث الخصب والنماء
وحيث يكسو وجه الأرض بساط من سندس أخضر
جعلت حياتك للزمان ربيعا ... ومشى بشيرك في الأنام مذيعا
الله أكبر حين بشر قائلا ... وهب الإله الى الأنام شفيعاسيدي أتسمح لي أن أدخل بيتك، أتسمح لي أن أقف ببابك يوم ولادتك
ما جئت بابك مادحا بل داعيا ... ومن المديح تضرع وثناء
ماذا كان قبل مولده ؟ كانت الٌأقدار بعجبها ، فجده عبد المطلب نذر لله نذرا إن رزقه الله بعشرة من الذكور أن يذبح واحدا منهم
، ورزقه الله بالعشرة ، وأدار القدح ((القرعة)) ليخرج من سيذبحه ، فجاءت القداح على عبد الله والد حبيبنا محمد، فإنه لما
أقدم على ذبح عبد الله وجد أمامه سدا منيعا وسياجا سميكا يحول بينه وبين عبد الله فأعاد القداح مرة أخرى فلم تغادر عبد الله
فماذا يفعل؟ وقلبه مملوء بالحب لعبد الله ، فحكموا في هذا الأمر حكما فقال : اضربوا السهام بينه وبين الإبل فإذا جاء السهم
على عبد الله مرة فاذبحوا عشرة من الإبل فجاءت السهام على عبد الله عشر مرات فذبح من أجله مائة ناقة وبعد ذلك غادرت
السهام عبد الله.
لماذا لم يذبح عبد الله ؟ لانه في ظهره أعظم مخلوق: ظل يتنقل من الأصلاب الزاكية إلى الأرحام الطاهرة حتى وصل الى ظهر
عبد الله، اذا أراد الله فلا راد لما أراد ، لقد قال تعالى في حديثه القدسي (عبدي أنت تريد وأنا أريد ولا يكون إلا ما أريد فإن
سلمت لي فيما أريد كسبتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد ، أتعبك فيما تريد ، ولا يكون إلا ما أريد).
وفي ليلة صفت سماؤها ورق ماؤها، وطاب هواؤها ، دخل عبد الله بزوجه أمنة بنت وهب ولكن لم يطل المقام بينهما ، فبعد
أيام من بنائه بها نادى المنادي بأن القافلة حان انطلاقها وخرج معها عبد الله وأخذ فؤاد أمنة يتلظى تريد عودة عبد الله فقد
شعرت في بطنها بجنين غريب .انها سمعته يسبح الله .. وعادت القافلة وما عاد معها عبد الله ، مات فدفن عند أخوال أبيه
من بني النجار، مات هناك وهو في شرخ الشباب في سن الخامسة والعشرين.
مشيناها خطى كتبت علينا ... ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيته بأرض ... فليس يموت في أرض سواهـــا
مات عبد الله فمن سيرعى ولده محمدا؟ إن الذي سيرعى محمدا هو الذي قال {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِكَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }آل عمران6 . يصوركم في ثلاث ظلمات ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة البرنس الذي ينزل الجنين مغطى به.
مات عبد الله وولده مازال جنينا . ولكن هل موت الأباء يؤثر على الأقدار؟ لا إن السيد الجليل محمدا ولد في ليلة هادئة الأنسام
عاطرة الأنفاس:
ولد الهدى فالكائنات ضياء ... وفم الزمان تبسم وثناء
الروح والملأ الملائك حوله ... للدين والدنيا به بشراء
بك بشر الله السماء فزينت ... وتضوعت مسكا بك الغبراء
ولد الهدى ونزل من بطن أمه ساجدا، نزل من بطنها يقدم الشكر لله ولما علمت ثويبة جارية عمه أبي لهب بمولده أسرعت
إليه وألقمته ثديها فكانت اول رشفة لبن نزلت في جوفه الشريف من جارية ، تواضع وعظمة.. تواضع في غير ذل وترفع في
غير كبر ، ولما رضع من ثويبة الجارية ذهبت ثويبة إلى سيدها أبي لهب وبشرته بمولد ابن أخيه ، فسر أبو لهب سرورا
عظيما وقال لها أنت حرة . نعم قال لها أنت حرة .
إن الله أخفى صفحة القدر عن عباده لتنظيم مسالك الحياة . فهل ضاع هذا الأمر عند الله ؟ إن الحبيب ولد يوم الإثنين وأبا
لهب أعتق جاريته يوم الإثنين فرحا بمولد الحبيب ولذلك فإن الله يخفف العذاب عن أبي لهب كل يوم اثنين إكراما لفرحه
بمولد سيد الخلق ، ولذلك قال أحد الصالحين
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه ... وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائما ... يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره ... بأحمد مسرورا ومات موحدا
هكذا أعتق أبو لهب جاريته فكان ميلاد هذا النبي إيذانا وإعلاما وبشيرا إلى العالم أجمع ، بأن هذا المولود سيحرر العبيد
وليس ثمة أدنى عجب فان محمدا هو الذي جعل من العبيد سادة ومن المستضعفين أساتذة وقادة وجعل من عُباد الحجر هُداة
للبشر وجعل من رعاة الغنم زعماء الأمم .
هنا مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم . يقول الحبيب :{ البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت .اعمل ماشئت كما
تدين تدان } . ويقول أيضا :
{ كل ابن أدم خطاء وخير الخطائين التوابون}.