رفعت
قلمها الأسود و قد أحكمت عليه بقوة بين أناملها الدقيقة كانت أظافرها
مصبوغة باللون الوردي الفاقع، تقوم بطلاءها مرة في الشهر لتزيله بعد أسبوع
فقط و كأنه عهد بين الطلاء و الأظافر
أطلقت العنان للقلم الأسود، فراح يتقيؤ ما حُشر به من سواد
" إتجه نحوها بثبات، يشد بيده على تلك العلبة الصغيرة السوداء، المصنوعة من القطيفة الفاخرة .......
ثم توقف القلم عن الحراك و عاد يقتفي آثاره ليمحو كل أثر.
" كانت تغط في نوم عميق، و أشعة الشمس تتسابق لتأخد مسحة من خديها المتفتحين كالورد في أغصانه .......
و عاد القلم من جديد يمحو أثره.
ألقت هي القلم الأسود صريعا على أنقاض
الآثار التي عـكف يـمحوها على وهن، و تدحرجت برأسهــا إلى الوراء ليستقــل
علــى مســند الكرسي، أغمضت عيناها و تحاورت مع عقلها الغر :
ترى ؟ كيف هو الحب؟
إعتدلت في جلستها من جديد، و ارتشفت بعض
النقاط من فنجان القهوة أمامها، كانت باردة لدرجة جعلتها تحس بالغثيان، فقد
نسيت أن الفنجان هناك منذ ساعات، منتظرا أن تحن عليه شفتاها، فتمتص منه
رحيقه الأسود الساخن.
قامت تجوب أرجاء الغرفة، تتفحص كل شيء بها و كأن عهدها بهذه الغرفة قد امتد لآلاف السنين.
لكل كاتب طقوس يتبعها، و شخص ملهم يفجر
الكلمات بين خبايا عقله، أما هي فقد إستهلكت كل الطقوس، و شخصها قد انتزع
من كومة الأشخاص التي كانت تربطها بهم روابط مختلفة، و لم يتبقى لها الآن
سوى كومة من الاوراق البيضاء و قلم أسود، و فنجان من القهوة الباردة.
أطلّت من نافذة الغرفة، و تساقطت الأوراق الميتة في مقلتيها، تساءلت :
أيها الخريف، ألم تسأم هذا المعطف الحزين؟
ألم تسأم جثث الاوراق الميتة تحتضنها في
سكون مميت؟ و تلك الوجوه المتجهمة، فقدومك يعني لها إنتهاء الصيف، إنتهاء
العطل، و انتـهـــاء الأعراس و الحفلات.
فأنت مجرد جسر يمتد بين زمنين، رغم سحرك البرتقالي الآسر
تأففت و هي ترخي ستار النافذة، تمتمت : كيف سأكتب قصة عن الحب....
ثم ما معني الحب ؟
آآآآآآآآآآآه، كل ما أعرفه عن الحب هو الورود الحمراء، قبلات عشوائية، رسائل معطرة، و ماذا أيضا ؟
هه هه و نهايات مأساوية.
لم ألحظ أبدا أبي و هو يقدم الورود
الحمراء لأمي، أو يهمس في أذنيها كلمات من أغنية رومانسية، حتى أمي، لم تكن
تتجمل له أو تتعطر، لم تكن تركض له حافية القدمين لترتمي بين أحضانه لحظة
عودته من عمله المنهك، إلاّ أني كنت أراها دائما تصحو مشرقة الوجه، مطمئنة
السرائر، و أبي .... لا يشرب فنجان قهوته إلاّ من يديها.
حينها أدركت أن الحب ليس كما اعتقدت ...
الحب لا يحتاج لورود أو عطور أو حتى انتحار لنسمع صوته
بل يحتاج لشيء آخر ... شيء لا زلت أبحث عنه
.................انتهي