عيدٌ.. بأي حالٍ عُدت يا عيدأ.د. ناصر أحمد سنه/ كاتب وأكاديميعيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمـر فيك تجديد.
أما الأحبة فالبيـداء دونهم فلــــيت دونـك بيداً دونهـا بيد. (ابو الطيب المتنبي).
إن أنسي فلا أنسي الشيخ \"محمد الغزالي\" (رحمه الله تعالي) وهو يعظنا موعظة العيد، فيصول ويجول يعرض لهموم ومشكلات ومعضلات العالم الإسلامي انطلاقا من: \"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم\".
كنا نراه يصف العلل، ويحدد الأعراض، ويشخص الداء، ويصف الدواء. وكان يقول: كيف لنا أن نفرح وهذه الهموم متراكمة، وهذه المشكلات باقية، وتلكم المعضلات عصية علي الحل؟. مضت سنون.. \"وما أشبه الليلة بالبارحة\" وإن ازدادت سوادا، وأمست كالحة، وباتت الفرحة غائبة.
لكن...
لولا فرحة الأطفال ولهوهم في العيد..
لولا لهثهم لشراء من الثياب الجديد..
لولا فرحتهم بالحلـــــــــوى والنقود..
لـــــــــولا أملـــــــهم في غد سعيـــد..
لــــولا ضحكــــــهم تغطي أحــــزاننا
لـــــــــولا مرحـــــهم وصخبــــــــهم
لمـــــــــا شعــــرنا أننـــــــا في عــيد.- كيف نشعر أننا في عيد.. وفلسطين تصرخ وتئن وتنزف؟. كيف نشعر أننا في عيد وأقصانا، يُهّود بل وسيهدم، بأيدي الصهاينة المعتدين؟. ويستمر الكيان الصهيوني في غيه وصعوده فيما يستمر العرب في هوانهم وهبوطهم. ومع ذلك يستمر العديد من الدول العربية يقيم علاقات وبأشكال مختلفة مع الكيان فوق الطاولة وتحتها.
- كيف نفرح بالعيد.. والتفتت والتشرذم والتباغض والتآمر والحصار الظالم والتجويع مازال مفروضاً علي أهلنا في قطاع غزة، بينما فريق \"يـُفاوض\" من أحتل وأغتصب الأرض، وأغتال وذبح وقتل وشرد البشر، ودمّر الشجر والحجر. من يداه مُلطخة ـ دون عقاب ـ بدماء الشهداء (وآخرهم \"المبحوح\"، وشهداء أسطول الحرية لفك الحصار الظالم).
- كيف نفرح بالعيد.. والعراق.. وطن الأنبياء، ومهد الحضارة، ومنبع التاريخ ، وبغداد عاصمة الخلافة الإسلامية التليدة، قد احتلها الأمريكان ومن عاونهم؟. خربوه وعاثوا فيه فسادا.. شردوا، وفرقوا شعبه شيعاً وأحزابا. أوجدوا فيه حالة انفصال سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي (ثلاثي/ شمالي ووسطي وجنوبي). أسالوا الدماء، يتموا الأطفال، ورملوا النساء، واستباحوا الشيوخ.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد.. وأرض الأفغان.. مستودع العلم والرجال الأشداء.. محتلة من قبل الحلف ذاته يفعل بها مثلما يفعل بالعراق، ولا مغيث لها.
- كيف نفرح بالعيد، و\"اليمن السعيد\" يتقاتل، وفي طريقه للتفتت والتشرذم، كما الحال في السودان (سلة غذاء العرب والأفارقة،وأكبر أقطار العرب مساحة/حوالي 2.5 مليون)، وجنوبه وغربه (دارفور)، وشرقه، ولن يبقي له إلا شماله. إننا من جديد أمام \"تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ\". تفرق وتشتت وتمزق خطط بُيتت بليل وتنفذ علي ارض الواقع لنهب الثروات، والإخضاع للأطماع.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد، وأرض الإسلام والمسلمين تُنتقص من أطرافها؟. فـ\"حكومة العالم الخفية\" فصلوا \" تيمور الشرقية\" عن اندونيسيا، وتتمدد هيمنة الشرطي الاسترالي علي جيرانه. مرورا بمأساة الحكم الذاتي لمسلمي جنوب الفلبين، ومذابح \"تركستان الشرقية/ إقليم سكينكيانغ\"تحت الهيمنة الصينية، و\"الشيشان\" تحت القبضة الروسية، و\"كشمير\" تحت الوصاية الهندية، والنزاع حول\" ناجورنو كارباغ\" بين الدولة الآذارية ونظيرتها الأرمينية الخ.
- كيف نفرح بالعيد، وكل يوم تكتشف مقبرة جماعية لشهداء البوسنة والهرسك جراء مذابح الصرب في تسعينيات القرن الماضي؟.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد، ومازالت \" سبتة\"، و\"مليلة\" محتلتين منذ نحو خمسة قرون من قبل الاستعمار الإسباني؟.
- كيف نفرح بالعيد والخلاف الحاد قائم بين الجزائر والمغرب، وفي لبه ملف أزمة الصحراء، وجبهة البوليساريو.
- كيف نفرح ويعود علينا العيد ومصير الصومال ليس بعيدا عن باقي أقطار العرب. نراه قد ارتد إلى مرحلة ما قبل نشوء الدولة ككيان سياسي واجتماعي.
- كيف نفرح، وقد نهض غيرنا ولم ينجح العرب؟. مازلنا لا نجد أجوبة علي ذات الأسئلة: لماذا نجحت اليابان و\"نمور\" جنوب شرق آسيا، وألمانيا، بل والبرازيل، والهند (بدأت الهند معنا مشروعها النووي في ستينيات القرن الماضي، دخلت الهند النادي النووي وجلسنا علي الباب)؟؟. فمقارنة بهؤلاء تبقي امتنا غنية بمواردها البشرية والمادية ومع ذلك تظل \"مُتخلفة\" علي كافة الصُعد. فقد تكدس السلاح (ليعمل دولاب صناعتها عند الآخر)، ولا تستعمله ضد عدوها الحقيقي.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد وليس ثمة أي دور فاعل لمنظمة أو جامعة أو هيئة مؤسسية ترعى قضايا الأمة، وتنهض بها، وتهتم بمشكلاتها، وتسعى لحل أزماتها.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد .. وقد تراجع دعاة \"المشروع القومي\": (والذي كان هشا منذ البداية بسبب الحرب الشرسة من قوى الاستعمار الغربي التي تقوم سياستها على النظرية المشهورة \"فرق تسد\". فبسبب عدم بناء إجراءات تراكمية تجعل الوحدة أمرا ضروريا لا فكاك منه بالنسبة للأقطار العربية، وليس مجرد مشاعر وجدانية نابعة من الانفعال الشعبي مع الشعارات القومية،بل من باب المصالح المشتركة والعلاقات المتشابكة؛كان بالإمكان إنشاء نظام تعليمي موحد ومناهج مشتركة،ومن ثم بناء نظم اقتصادية ومناطق سوق حرة كما فعل الأوروبيون،إلا أن هذا لم يحدث إلا ارتجالا أو بشكل موسمي استعراضي).
- كيف نفرح بالعيد.. وقد جعلوا \"العدو الأخضر/ الإسلام\" بديلاً عن \"العدو الأحمر/ الإتحاد السوفيتي\" المنهار، فهم لا يعيشون بدون خلق عدو تلو آخر، ليبقوا في ظاهر الأمر \" متوحدين\"، لينقلوا مشكلاتهم خارج أرضهم. فهاهو اليمين الصهيو-أمريكي ـ في صراحة ووضوح ـ يعلنها \"حرباً صليبية\"، و\"حرباً علي الإرهاب\"، وتجد من عملائه الكثيرين يأتمرون بأمره، ويحاربون معه\". يريدونها\" فوضي هدامة\".
لا يصلح الناس فوضى لا سَراة لهم ولا سَراة إذا جهالهم سادوا.
- كيف نفرح بالعيد وهم يشعلون حملات العداء والعنصرية والتمييز ضد الإسلام والمسلمين\"الأسلاموفوبيا\"؟. فنراهم يـُسيئون لرسولنا، صلي الله عليه وسلم، ويدنسون قرآننا، ويستبيحون شرائعنا وشعائرنا وهويتنا وذاتيتنا. نراهم يكرسون شرعتهم الوضعية تتحكم في رقابنا. يزورن الحقائق، يصوَّرون الجهاد، والدفاع عن العقيدة، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، والوطن، بأنه إرهاب. بينما غزوهم لبلاد المسلمين والتدخل في شؤونهم بأنه عمل مشروع متمشٍ مع الشرعية الدولية.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد.. وهناك تبعية وارتهان لأعدائنا الذين يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة من شؤوننا... من توجيه النشء، وتكوين الأسرة، إلي عزل من شاءوا، والإتيان بمن شاءوا من المستبدين ودعمهم. فهل هؤلاء سيهتمون بقضايا ومشكلات أمتهم العربية الإسلامية.
- كيف نفرح بالعيد مع حرص الأنظمة المتحكمة على كراسي حكمهم، والسعي لتوريثها لأبنائهم، علي ضد رغبة الشعوب؟. ومستوزرين متخشبون لعقود عدة في مقاعدهم رغم كل المصائب والأرزاء والفساد الذي جلبوه علي وزارتهم، الذي طال اقرب مقربيهم فأدخلهم السجون.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد وذاكرتنا التاريخية تشوش وتميع، متاحفنا وكنوزها الاثرية تسرق وتنهب، جامعاتنا في ذيل القوائم، وعلماؤنا يُستنزفون، ثقافة غثة، إعلام يُخدر، أغان هابطة، أفلام ماجنة، نحصد أصفارا رياضية لا ميداليات ذهبية الخ.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد والأنظمة لا تحترم القوانين، ولا تنفذ الأحكام، ولا تحمي مواطنيها في الداخل قبل الخارج، فساد الظلم الاجتماعي والفساد والعنف والفقر والمرض والجهل والسرقة والنهب والتعذيب.. وضاعت هيبة الدول.
- كيف نفرح بالعيد وقد حيل بين الكثيرين وبين ما يتمنون من عيش حياة كريمة؟؟. احتكار للسلع الأساسية، وغلاء فاحش، ومرض فتاك يفتك بفقراء الناس وهم كُثر، وإسراف ترفي استهلاكي من قبل آخرين.. فجوة عميقة تتسع يوما فيوما. وتغيرات ديموغرافية تشكل خطرا علي السكان الأصليين.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد، في حين لم يفتر التضييق علي الأفكار والحريات، ويُحاصر الأخيار من العلماء والعقلاء والأحرار وشباب الصحوة الإسلامية. يعتقل من يُعتقل، ويُغيب من يُغيب، يفر من يفر، ويهاجر من يهاجر، ويموت من يموت في \" قوارب الموت\"، ويُحال بين الناس وأوطانهم.. وأبنائهم وأحبتهم وأصدقائهم المغتربين، داخليا وخارجياً، والمُهجرين والمشردين واللاجئين الخ. يقول الأحنف بن قيس:
يا غريب الدار عن وطنه مفردا يبكي علي شجنه.
كلما جــّـد البكاء بـــــــه دبت الأسقــام في بـدنه.
من بعده \"شوقي\" من منفاه يقول:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد ومعتقلينا وأسرانا، ظلماً وعدواناـ في سجون الاحتلال الصهيوني والأمريكي البريطاني في فلسطين المحتلة وأبو غريب وأفغانستان وجوانتانمو، وغيرها كثير من السجون العلنية والسرية.
- كيف نفرح ويعود علينا العيد والأرامل، والأيتام، والعجزة، والمشردين واللاجئين (نحن أكبر الأمم عددا في نسب المشردين واللاجئين والمُهجرين) لا يجدون من يواسيهم، ويخفف عنهم.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد...........
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد...........
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد..........[/color]ولبرهة..أتركك ـ أيها القارئ الكريم ـ مع بعض أبيات قصيدة \"أبي الطيب المتنبي\". لكن لا تنس أن تفتح لسان العرب، أو مختار الصحاح أو حتي المُعجم الوجيز لتكشف عن معاني عديد من مفرداتها.
عيد بأية حال عدت يا عيد= بما مضى أم لأمر فيك تجديد.
أما الأحبة فالبيداء دونهم= فليت دونك بيداً دونها بيد.
لولا العلى لم تجب بي ما أجوب بها= وجناء حرف ولا جرداء قيدود.
وكان أطيب من سيفي معانقة= أشباه رونقه الغيد الأماليد.
لم يترك الدهر من قلبي ولا كبدي= شيئاً تتيمه عين ولا جيد.
لكن الموضوعيةـ يا أبا الطيب المتنبي ـ وبعضا من التفاؤل يقتضيان سرد بعض الانتصارات المحُققة:
- قام الشعب الفلسطيني في الداخل بانتفاضتين خلال 13 عام وقدم التضحيات وعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى والبيوت والمنشآت المدمرة.
- تم قهر ودحر وهزيمة وإخراج العدو الصهيوني من لبنان وجنوبه العام 2000م.
- الانتصار الباهر والمشرف للمقاومة الإسلامية في لبنان صيف العام 2006م.
- الانسحاب الأحادي الجانب من غزة، ثم \"انتصار الخيار الديمقراطي (تلكم الديمقراطية تلكم التي صدعوا آذننا بها، وهم اكبر المنقلبين عليها(حدث هذا في الجزائر، وأيضا في فلسطين)، إذا لم تأتهم بمن يرضيهم ويُسهل حصولهم علي أطماعهم.
- لما أكد الشعب الفلسطيني انحيازه الكامل لجانب المقاومة وانتخاب حركة المقاومة الإسلامية حماس.. فكان العدوان الغاشم ، والحصار الظالم علي غزة الصامدة المجاهدة .. التي أفشلت وكل مخططاتهم وعدوانهم ومجازرهم لثلاثة أسابيع (نهاية 2008، ومطلع يناير 2009)، وفي ذلك النصر كل النصر، والانتصار كل الانتصار.
- أستمر الصمود والصبر والعزيمة والإرادة الفولاذية، وعدم النكوص عن الخيارات، رغم القتل والتقتيل، والإرهاب، والتجويع والحصار والدمار وجرائم الحرب والإبادة الجماعية، فكانت \"الحرية، وأسطولها، وبشائرها من كسب تأييد كل الشعوب العالم، وفي مقدمتهم الشعب التركي الأبي الشقيق.. وحكومته وقيادته .. .. من فيتنام، إلي جنوب أفريقا، إلي نبكارجوا ومن قبل فنزويلا، إلي كل التظاهرات والاحتجاجات العالمية لهذه الدماء الذكية التي سفكتها آلة ويد الإجرام والإرهاب الصهيونية.. نصرا من الانتصارات الباهرة، فقط لمجرد \"دخول الباب عليهم\":\"قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ\" (المائدة:23). فما الظن بما هو أكثر من ذلك لو أتيحت المواجهات الحقة، والإعداد الجيد، دون منع أو صد أو تهوين أو تهويل.
- إن يوم الاثنين 31 من مايو، وما شهد من \"قرصنة ومجزرة صهيونية جديدة ومتجددة\" علي قافلة أسطول الحرية، وأثار تلك الدماء الذكية، والأرواح الطاهرة، التي سالت وارتقت دفاعاً عن قضيتنا العادلة، ليوم فارق. قد محا غيوم ذكري حلول الخامس من يونيو من كل عام، حيث كانت هزيمة 1967 وما خلفت من آثار مازلنا ندفع حسابها حتى اليوم.
- نلحظ بوادر تململ/ حراك شعبي واجتماعي وسياسي وفكري، وتوحد بين فرقاء الأمة من مختلف تياراتها الفكرية والسياسية في الداخل والخارج علي رؤية واحدة تؤكد علي (ضرورة/حتمية) التغيير نحو الأفضل، واستبدال هذا الواقع الأليم.
أخيرا نعلم يقيناً أن الخير في هذه الأمة، وأن النصر لها، لكنه مرهون بتغيير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا:\"....
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ\" (الرعد:11). تلك من سنن الله تعالي في كونه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلا.