هيا لنحقق الكمال الإنساني

الكمال الإنساني







إن الكينونة الإنسانية بالغة التعقيد، وغاية في الإبداع الرباني من حيث مكوناتها وقدراتها، فهي روح ترتفع حتى تعانق السماء، وطينة تنزل حتى تلامس التراب، لذلك أمكن للإنسان أن يعلو بروحه فيصير ملكا مقربا، أو يدنو بجسده فيصير حيوانا ذليلا، وما ذلك إلا بفضل هذه التركيبة التي أودعها الله فيه، وهي قطعة طين ونفخة روح، وبهما يتحقق الكمال الإنساني، لأن لهذين العنصرين قوتان خارقتان، هما القوة العارفة، والقوة العاملة، فالقوة العارفة تنتج الكمال العرفاني، والقوة العاملة تنتج الكمال الأخلاقي. فأما القوة العارفة فتدفعه نحو العلوم والمعارف والماهيات والحقائق، ليدرك أولا حقيقته وكينونته، التي تنقسم إلى نفخة روح تنتمي إلى العالم الملائكي، وقطعة طين تنتمي إلى العالم الأرضي، فيختار إلى أي الفضاءين ينتسب ويسعى، وإذا أتم إدراك هذه الحقيقة، حق له أن ينطلق إلى ما حوله من الحقائق والآيات، فينظر في السماء والأرض ليشهد من خلالها قول الحق تبارك تعالى: "ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا" (النبأ6-1)؛ ويشهد قوله "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت" (الغاشية17-20)، فلا يسعه حينها إلا أن يقول: "ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار"،حينها تكتمل له العلوم، وهي العلم بالنفس ومقامها العبودية، والعلم بالمكنونات، ومقامها المخلوقية، والعلم بالله، ومقامه الحق، وهو على العرش استوى، ويحصل له من ذلك كله صدق النظر، وصحة البصر، ونور يضيء للبشر، وهذا هو الكمال العرفاني.
أما القوة العاملة فهي تبع للقوة العارفة، فالأولى محركة والثانية محركة، كما أنها تدفع الجسد نحو العمل والترتيب، والسعي والتدبير، فيرتقي في فعله حتى يبلغ منتهاه، فتصدر كل أفعاله استجابة للروح، ويقوم في مقام الخدمة والعبدية، حينها تنعكس فيه حقائق الإيمان، وصفات الرحمان، فتظهر أنوارا سارية، وأعمالا كاملة، فيتحقق الكمال الأخلاقي، ويستحق الخطاب الرحماني:" كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه"(حديث قدسي).
نخلص مما سلف إلى أن الكمال الإنساني نوعان: كمال عرفاني مبتدؤه العلم بالذات والكائنات، ومنتهاه العلم بالله،وكمال أخلاقي مبتدؤه العمل ومنتهاه العمل بإشراف الله ، فإذا اتحد هذا وذاك، فقد رفرف الإنسان إلى السماوات العلا، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى.

ماشاء الله عليك موضوعك في قمة الروعة والجمال
بوركت أخيتي الغالية
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

بارك الله فيك اختي وجزاك كل خير

موضوع رائع ومفيد

ما شاء الله