قصة صورة تذكارية
للثورة الجزائرية أسرار لن تخرج يوما إلى العلن، هذه الثورة التي ذكرها التاريخ كواحدة من أعظم الثورات في تاريخ العالم الحديث مدة ووحدة وشمولية وتنظيما في بلد قارّة لا يكاد ينافسها في ذلك أحد عدا ثورة الهند الصينية الأولى والثانية ستبقى غامضة حتى لنا نحن أجيال ما بعد الاستقلال ،أبناء الشهداء و أبناء المجاهدين
كيف لثورة عظيمة كهذه أن لا يكون لها قائد واحد نعرف اسمه بالضبط؟؟؟ألم يكن لثورة الهند الصينية قائد واحد اسمه "هوشي منه"
هذا هو السؤال الذي حيرني طويلا والذي سأحاول أن أجيب عليه
قبل بداية الثورة بقليل اجتمع ستة أصدقاء لأخذ صورة تذكارية، لم يكن المصور آنذاك يعلم أنه يلتقط الصورة الوحيدة التي جمعت القادة الستة الأسطوريين للثورة الجزائرية المبجلة
بالترتيب من اليمين إلى اليسارهم:بو ضياف محمد ديدوش مرادبن بولعيد مصطفى بيطاط رابح
و الجالسون من اليمين إلى اليسار: بن مهيدي محمد العربيبلقاسم كريم
وراء وجوههم الشاحبة وملابسهم التي أعياها الزمن، كانت تختفي عقول عبقرية خططت لتفجير الثورة وأعجزت جنرالات فرنسا ومن ورائها قوات حلف شمال الأطلسي" الناتو "
وضعوا معا الخطة و النهج الذي يجب أن تسير عليه الثورة وكل من يلتحق بها وأسسوا ل "جبهة وجيش التحرير الوطنيين"
كتبوا معا بيان أول نوفمبر وأرسلوه إلى القاهرة ليعلن إلى العالم من هناك اندلاع الثورة التي ستصفع كل من يجرأ على الوقوف في طريقها
وتعاهدوا على ذلك ثم افترقوا لكي لا يجتمعوا بعد ذلك كلهم أبدا
كل واحد اتجه إلى منطقته التي وجهت له مهام قيادتها عسكريا
[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]
1ـ مصطفى بن بو لعيد "أسد الأوراس" قائدا للأوراس الأشم مهد الثورة
2ـ مراد ديدوش "سي عبد القادر" قائدا للشمال القسنطيني
3ـ كريم بلقاسم " أسد جرجرة " قائدا لمنطقة القبائل
4ـ رابح بيطاط قائدا لمنطقة الجزائر ( العاصمة وضواحيها)
5ـ محمد العربي بن مهيدي "الحكيم" قائدا لمنطقة وهران (الغرب)
6ـ محمد بو ضياف "سي الطيب الوطني"مكلف بالتنسيق بين الولايات الخمسة
(الصحراء هي الولاية السادسة وفرنسا السابعة حددت فيما بعد)
لم يكونوا سياسيين محنكين فقط بل أيضا محاربين أشداء لم يبخلوا بأرواحهم بل كانوا في الصف الأول من المجاهدين فبعد شهرين فقط من اندلاع الثورة سقط أولهم شهيدا "ديدوش مراد" ذو 28 ربيعا في ساحة الشرف
بعد عام ألقي القبض على" بن بو لعيد" في تونس عندما كان متوجها إلى ليبيا لجلب السلاح وحكم بالإعدام لكنه فر من السجن وعاد إلى الأوراس أين استشهد بعد ذلك بأشهر وهو أبن 39 سنة
لم يعرف الأوراس قائدا مثله كان يملك السلطة الروحية حتى على القادة الخمسة الآخرين ولكنه استشهد باكرا مع بداية الثورة
سيتوقف قلمي مطولا قبل أن أكتب كلمة واحدة عن الأوراسي" محمد العربي بن مهيدي " قائد منطقة وهران
ذلك الشاب الذي لا أستطيع أن أحتفظ له بصورة في رأسي وكلما تذكرت نهاية حياته الدنيوية اقشعر بدني
ألقي عليه القبض سنتين ونصف بعد اندلاع الثورة أثناء " معركة الجزائر " أين جاء لتولي مهام قيادية
هو صاحب النظرة المستقبلية، صاحب التصريحات النارية، هو الأسطورة الجزائرية قائمة بحد ذاتها
شخص كهذا يعرف كل شيء من البداية إلى النهاية بكل تفاصيلها يقع في يد فرنسا
؛ذلك كل ما كانت تنتظره،أما هو فابتسم لنا في صورة تذكارية وسط جلاديه غير آبه بمصيره المعلوم المتمثل في التعذيب حتى الموت بأبشع الطرق وعمره 34 سنة
وأمام جثته المشوهة والمسلوخة وقف الجنرال الفرنسي "بيجار" وقدم التحية العسكرية
هذه صورة تمثل تعذيب شخص عادي
ولكي لا يموت بطلا قالوا انتحر،خسئوا ,بعد سنوات أعترف الجنرال "أوساريس" الكلب أنه قتله وأن آخر كلماته كانت: " تتكلمون عن الجزائر الفرنسية وأنا أتنبؤ بفرنسا الجزائرية"
تمثل الصورة مترشح للإنتخابات الرئاسية الفرنسية يشرح للفرنسيين خطورة الزحف الجزائري على فرنسا
كان على الثورة أن تستمر سبع سنوات ونصف، كان عليها أن تحصد أكثر من عُشر تعداد الجزائريين قبل أن تثمر الإستقلال التام سنة 1962
الذي شهده القادة الثلاثة الآخرون
فأما بلقاسم كريموبوضياف محمد فماتا قتلا على يد جزائريين
نجهل من هم ولماذا فعلوا ذلك؟
هي أسرار دولة وصراع على السلطة ولا يعرف هذه الأسرار أحد من أبناء الشعب
ولكن الأكيد أن هؤلاء القتلة حادوا عن الطريق وضلوا سواء السبيل
وحده "رابح بيطاط"عاش حتى سنة 2000 وتوفي عاديا
رحمهم الله جميعا
لم يكن باستطاعة الثورة أن يكون لها قائد واحد لشساعة المساحة وصعوبة نقل المعلومات وإختلاف الأعراق البشرية
ولأن القادة هم نفسهم إستشهدوا أو أوكلت لهم مهام أخرى وجاء آخرون في مكانهم
الأوراس
أوراس ضمني إلى صدرك بقوة قل لي بأني لم أخن عهد الشهداء قل لي بأني لم أحد عن الطريق،
لا تبقى صامتا وأعدك أن لا أبكي
أعلم أن علىّ أن ألملم الأشلاء المتبقية وأن أكون سعيدة فعلمني الصبر وسأنتظر
48سنة بعد الاستقلال ،هدأ كل شيء، أجيال صغيرة تكبر لم تعرف الاستعمار ولم تعرف العشرية السوداء ولكنهم سيتذكرون دائما مقولة الحكيم "بن مهيدي"
إذا ما استشهدنا دافعوا عن أرواحنا.. نحن خلقنا من أجل أن نموت لكي تستخلفنا أجيال لاستكمال المسيرة
ما زال الأوراس شامخا في صمت بينما تستمر الأهازيج الأوراسية مرددة:
« شهلي غي شم آثمورث إينوغ »
يتبع قبضة من نار وقبضة من حديد