لم تكن الدمعة الأولى التى سقطت على وجنته سوى أول الغيث وبداية سيل من الذكريات , تبدأ منذ بدا يعى الحياة وتنتهى بدمعته التى بات يظن – طيلة ما مضى من عمره – أنها لن تنزل أبدا , أو أنها على حد تعبيره00 لم تخلق بعد , فقد كان يؤمن أن الدموع لم تخلق للرجال , وان دموع الرجال ضعف وخضوع لا يليق بالرجولة , فهو يكره الضعف , ويكره الخضوع والاستسلام للواقع , وطالما كان يفخر إن مالا يأخذه اقتناعا كان يأخذه اغتصابا 00 وانه ما استعصى عليه شىء أبدا 00 ولا حال بينه وبين ما يريد حائل , حتى فى اللحظات التى كان يشعر فيها أن انتصاره لم يكتمل أو لم ياتى بالصورة التى يريدها كان يهرب من شعوره ويغرق نفسه فى غيبوبة المخدر , ويزعم انه يحتفل بالنصر ويريح ذهنه استعدادا للجولات القادمة , فالحياة عنده صراع وسباق مستمر من يتوانى فيه لا مكان له فى الحياة , وأجدر به أن يغلق عليه باب قبره , كان يرى أن الحياة مال ونساء وساعة حظ لا يكملها إلا ذوبان العقل فى غيبوبة المخدر 00 وبعد ذلك فالحياة فى متناول يده , كان المال يأتيه متى يريد وكيف يريد , فهو لا يطمع فى مال أكثر مما يكفل له ساعة الحظ ويجلب له ما شاء من الملذات والنساء , ومن لم تأتى بالمال فقليل من التحايل والوعود الكاذبة , أو بقليل من الصبر والمهادنة حتى ينال ما يريد , كانت فتوته وشبابه وذكائه مما يجذب إليه من النساء من كان يضيق بهن أحيانا لسهولة تناولهن وكان يشبههن دائما بالسندويتشات 00 سريعة التجهيز ولكنها لا تشبع جوعه الدائم , كانت علاقاته النسائية العديدة تجعله يرى أن الزواج مجرد قيد فى عنق من لا يستطيع للنساء سبيلا غير الزواج , إلى أن جاء اليوم المشئوم وبدا يفكر فيمن سيرث سيرته وقوته , انه يحتاج إلى ولد يحمل اسمه 00 ولد يتخايل به وسط اقرانه00 ولكن كيف الوصول إلى ذلك دون زواج ؟ 00 لا بد إذن من الزواج 00 عليه أن يتنازل قليلا ويضع القيد فى عنقه , ولكن من تلك التى ستنجب له ولى عهده ؟ 00 إن تجاربه النسائية العديدة لا تمنحه الثقة فى أية امرأة 000 إن الأمر يستعصى عليه 000 يهرب إلى المخدر لكنه يستفيق وتعود الفكرة تهاجمه , استعرض فى ذهنه أسماء من عرف من الفتيات 000 وجد أن اى منهن لا تصلح 000 لا بد أن تكون تلك الفتاة من خارج القائمة 000 تتداعى المأساة فيجدها000 إنها إحدى فتيات الظل , لم تمر يوما بطريقه , ولم يضعها القدر مع كثيرات كانت أجسادهن هى المعبر إليه 0000
حين رآها للمرة الأولى أدرك أنها مختلفة تماما 00 إنها بريئة لدرجة لم يكن يعيها عقله المعتاد على النزوات 00 سعد بها سعادة التائب حين يرى أبواب الرحمة مفتوحة 00 تقرب إليها والى أهلها عبر الأبواب الشرعية 000 حاول أن يحسن من صورته العالقة فى الأذهان ويثبت لهم انه جاد فيما يرجوه ولا يبغى إلا الحلال 000 وفى غمار سعيه إليها اكتشف فيها خيرا كثيرا كان غريبا عليه 000 أحبها 000 نسى كل شىء 000 نزواته 00 خليلاته 00 حتى ولى العهد التى بدأت المأساة عنده000 أخذت نظرته للحياة تتغير 000 أدرك انه لم يأخذ منها إلا فتات وقشور 000 أخذت أفكاره تسمو وتسمو معها أحاسيسه ومشاعره 000 اتفقا على كل شىء 00 قضى معها اسعد لحظات حياته وبدا يحلم بحياة جديدة تكون شريكته فيها 000 اخذ يستعد جديا لهذه الحياة بلهفة وشوق 000
وفى ذلك الصباح المشئوم استيقظ مبكرا على غير عادته بسبب كابوس ارق نومه , رأى فيه انه يسير وحيدا فى صحراء قاحلة تطارده الوحوش ولا يجد مهربا 000 ذهب إليها لكى تنسيه هذا الكابوس وهاجس مرعبا يطارده 00 تلفت خلفه خوفا من وحوش الصحراء 000 وصل أخيرا إلى بيتها 000 الجو ساكن سكون القبر 00 علل نفسه بان الوقت مازال مبكرا 000 صعد فى خطوات متثاقلة وطرق الباب00يفتح الباب فإذا بالحضور واجمين 00 سال00 ما الأمر ؟ 00 إنها مريضة مرضا شديدا 00 ارتعد وتذكر الحلم 00 جلس بجانبها فإذا بوجهها البرىء يعلوه السقم والسكون 00 نظر إليها نظرة يملؤها القلق والاستعطاف 00 أحس أن حلمه الجميل يذوب 00 يفنى 00 وعلى يديه لفظت أنفاسها الأخيرة 000 عاد ذاهلا صامتا 00 ومن عين جامدة سقطت أول دمعة 00