ي الحياة الدنيا مصائب ورزايا.. ومحن وبلايا.. متاعب جمة.. وشدائد ملحة.. آلام تضيق بها النفوس.. ومزعجات تورث الجزع.. وخواطر وأفكار تجلب الهم والغم.. تضحك وتبكي.. تجمع وتشتت.. شدة ورخاء.. سراء وضراء..(ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونباو أخباركم)[محمد:31], (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم أحسن عملا)[الملك:2], وهكذا تغلب الأقدار من لدن حكيم عليم الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى..
ولأجل التذكير بفرج الله ومشاركة لاخواننا المهمومين وبقصد التخفيف من آلام المنكوبين وبث روح التفاؤل والأمل في النفوس تأتي هذه الهمسات..
همسات لليائسين الذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم..
همسات لمن غشيتهم نيّر الزمان ونوائب الدهر..
همسات لمن أشتدت عليهم الغموم وحاصرتهم الهموم.. لا تيأسوا(ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)[يوسف:87].
آن أن تداووا الشك باليقين ومرارة الأسى بحلاوة الرضى.. آن أن تتبعوا منهج الله الذي لا منقذ غيره من الشقوة والعذاب والحيرة والاضطراب.. آن أن تتعبد القلوب باليقين بقدر الله القائلقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون)[التوبة: 51].
ما قُضي كان.. وما سُطر منتظر.. وكل شيء بسبب.. ولن يجد عبد طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن لخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها)[الحديد:22].
أن وراء كل نجم يبزغ وكل برعم يترعرع.. قدر الله..
أن وراء كل نبضة قلب وكل خلجة عين.. قدر الله..
أن وراء كل حي يولد أو يموت في هذا الكون العريض.. قدر الله..
ولولاه ما كان شيء ولا يكون.. فكل شيء بقضاء وقدر.. والكل في أم الكتاب مستطر والله لا يضع أمرا إلا في موضعه إنه حكيم عليم..
ما حدث مؤلم يحل إلا بحكمة الله لتتعزى النفوس وتظهر الحقائق ويميز الله الخبيث من الطيب يبتلي عباده المؤمنين ليستخرج عبوديتهم وذلهم وافتقارهم إليه إنه حكيم عليم.. يقول عمر بن عبدالعزيز رحمه الله(لقد تركتني هؤلاء الدعوات ومالي في شيء من الأمور كلها أرب إلا في مواقع قدر الله وكان كثيرا ما يدعو اللهم ارضني بقضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته ولا تأخير شيء عجلته)
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كانت حياته كفافا لم يعرف الدور ولا القصور لم يعرف لذة المناكح ولا متعة الأبناء ومع ذلك يقول إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة).. الدنيا بكل همومها وغمومها فيها جنة.. إنها الجنة حينما يعيش الإنسان في كنف الإيمان بالله.. تأمل يا من أحسست بالضيق والهم.. تأمل كلمات المحبين لله.. تأمل أخبارهم.. فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه..
فيا كل مبتلي.. وطّن نفسك على المكروه تهن عليك الشدائد, فالدنيا سجن المؤمن والجنة حفت بالمكاره, يقول ابن القيم رحمه الله تعالىمن خلقه الله للجنة لم تزل هدايا الجنة تأتيه وهي المكارة).. إذا المت بك الخطوب وتكالبت عليك الأيام وأحاطت بك دوائر الإبتلاء فاقطع العلائق بأسباب الأرض وفر إلى الله وارفع أكف الضراعة إليه وألق كنفك بين يديه فلعله يصادف أوقات النفحات وساعات الإجابة فالله قريب مجيب حيي كريم, كل يوم هو في شأن.. من الذي دعاه فما لباه؟ من الذي سأله فما أعطاه؟ من الذي لجاء اليه فما كفاه؟.. أما كفى إبراهيم الخليل وقد ألقى في النار.. أما أنجى يونس من لج البحار.. أما كشف الضر عن أيوب.. أما رد يوسف إلى أبيه يعقوب..سبحانه لا إله إلا هو الصمد الغني عما سواه وكل ما سواه فقير محتاج إليه.. النواصي بيده والخلائق في تصرفه والمقادير في قبضته والأرزاق بيده ما كان لك أتاك على ضعفك, وما كان لغيرك لم تنله بقوتك, ورزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص, ولا يرده عنك كراهية كاره, وما دام الأجل باقيا كان الرزق آتيا. له الحكمة البالغة في عطائه ومنعه فهو سبحانه لم يمنع أحدا شيئا من الدنيا إلا لحكمة بالغة وتقدير سليم يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب عبدا حماه عن الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيه الماء) وعن بعض السلف قوله: (إن منع الله عبده من بعض محبوباته هو عطاء منه له لأن الله تعالى لم يمنعه منها بخلا وإنما منعه لطفا).. فيا أصحاب الحاجات.. أيها المرضى.. أيها الأيامى.. أيها المكروب والمظلوم.. لتعلموا أن ما أصابكم إنما تم بعلم الله وحكمته والعاقبة للمتقين فلا يأس ولا استسلام وإنما دفع لقدر الله بقدر الله وفرار من قدر الله إلى قدر الله مع ثقة بوعد الله وجزم بقرب الفرج من الله فإذا قضي الأمر ولم تنفع المدافعة وجب التسليم مع رجاء الخير العظيم( لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم)[النور:11], ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)[البقرة:216].