السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
-------
عندما حل الدمار بفرنسا في بداية الحرب العالمية الثانية مما جعل عاصمة الثقافة والنور تصبح فريسة بيد الأعداء، أحدث هذا الموقف ذهولاً وضجة كبيرة بين الأوساط الفرنسية، وبدأت رحلة البحث عن الأسباب، والتي أخذت تتشكل بتشكل الباحث نفسه، فالسياسي أرجعها لعوامل سياسية والإقتصادي لعوامل إقتصادية وهكذا، ولكن التفسير لهذا الإنهيار اختلف لدى أحد الأدباء وإن لم أكن مخطئا فاسمه (رومان رولان)، فقد أرجع المشكلة إلى تفشي ثقافة وأدب الخلاعة والمجون، ويوضح بصورة أدق عندما يقول "إنّ الأُمّة التي ينتشر بها هذا النوع من الأدب سوف يصيبها الخمول والتقاعس وعدم المبالاة مما يؤثر في سلوك أفراد المجتمع" وهذه الفكرة طرحها أيضاً أحد أدباء إسبانيا (أسين بالاسيوس) قبل سنوات طويلة لأنّه أرجع إنهيار الإمبراطورية الفارسية للأدب الماجن والثقافة الشهوانية التي تحط من قيمة الإنسان.
هذه النظرة حملها أديبان لمجتمعين مختلفين، ونحن بدورنا لو طبقنا هذه النظرة الفلسفية العميقة لحال الأُمّة العربية الآن، قد تكون الصورة متشابهة أو على أقل تقدير متقاربة، ولنلق نظرة سريعة على الثقافة التي نتلقاها سواء المرئي منها أم المكتوب أم المسموع، حتماً سوف نصاب بخيبة أمل من هذه الثقافة التي هبطت بقيمة الإنسان وجعلته مسيراً لأهوائه وغرائزه وفي المقابل هدمت الكثير من القيم والأفكار الرائدة، ومع الأسف نجد في المجتمع من ينادي بمثل هذه الثقافات إنطلاقاً من حرِّية الرأي والتعبير، مما أضعف نزعة التفكير الناقد والنظرة الأكثر جدية للحياة، علماً بأنّ هذه الحرية التي يرونها ما هي إلا قيود تكبل تفكير الإنسان وحرِّيته لأنّها حبسته في غرائزه.
أمّا الثقافة التي تحيي القلوب وتنير العقول فقد عدها بعضهم ثقافة تخلف وظلام وأصبح كل مَن ينادي بالأدب الرفيع أو العودة للتراث متخلفاً في نظرهم.
النقطة التي أود أن أركز عليها هي أن نمط الثقافة السائد الآن يؤثر في الإنسان العاقل الذي قد يتحكم بزمام أموره فما بالك بمراهقين يفتقدون التوجيه السليم، أتصور أنّ الأضرار أكبر وأكثر تهميشا لهؤلاء الشباب فليتقِ الله من ينادي ويطالب بنشر هذه الثقافات لأنّ بعض الكتّاب قد يخطون مقالة صغيرة وقد ينسونها ولكنها مسجلة عليهم ويتأثر غيرهم بها وهم لا يعلمون.
المصدر: كتاب العيش في الحقيقة (مقالات في الفكر والثقافة)مع تحيـــــــــmeteore2000ــــــــآت