ناديـت يا أبـي

ناديـت يا أبـي

بقلـم: محمـد علـوان

ناديـت يا أبـي C4nAj-81eL_465605171

في الشارع وسط الزحام أكاد أجزم بأن هذا أبي بوجهه المستدير الأبيض, وانحناءته المعهودة لكبر السن,

تبدو على محياه تلك الابتسامة المحيرة, ليست ابتسامة سخرية, وإنما ابتسامة لنفسه يعرف هو معناها,

يغذ الرجل في السير وأحاول – وأنا على الضفة الأخرى من الطريق – لفت انتباهه دون جدوى ..

وأسارع بالمشي بالتوازي معه, لعلني أبلغ مشيته, إنه لا يلتفت ويركز في موضع قدميه,

بينما الابتسامة لا تفارق شفتيه الكبيرتين المميزتين في وجهه, تشي بان عنده الكثير من الرضا, بل وهو ممتلئ بالرضا, رغم كل شيء.
يفصل بيني وبينه نهر الطريق – المكون من حارتين كبيرتين – يعج بالسيارات رائحة وغادية,

سيارات ركوب كبيرة وأخرى صغيرة, بألوان رقيقة وأخرى فاقعة, سيارات نقل بضائع تعبر بصناديق كبيرة تحجب الرؤية للحظات,

في حين أتابعه وأقيس المسافة التي قطعها, فأجده قد أسرع الخطى بين الناس الذين يبدون حوله طوالا وقصارا, مختلفي الألوان والأحجام, يكاد يختفي بينهم.

أخاف من فقدانه في زحام المارة وخاطر ما يعن لي أنه مجرد شبح سرعان ما يختفي, أو أنه مجرد شبيه,

والرجال الكبار غالبا ما يتشابهون, وأتابعه بجلبابه الأبيض يشق طريقه بين الناس كأنما يقصد هدفا بذاته,

وكنت اعرف أنه يخرج هكذا بدون هدف, ربما لمجرد المشي ليرى الطريق, أو ليسمع ضجة الحياة!

عبرت للناحية الأخرى واندفعت لمحاذاته, ومددت يدي لألمسه, التفت الرجل نحوي والابتسامة التي لمحتها لا تفارق شفتيه,

كان لا يزال يشق طريقه للأمام, كأنما يسبح و يجذف بيديه في بحر من ضوء الشمس الغامر, وعرفت لأول وهلة أنه ليس أبي, إنما كان رجلا يشبهه,

مضى الرجل مستمرا في حركته للأمام كأنما لم يحدث شيء, في حين وهنت قدماي حتى توقفت بالجوار,وأنا أتملى حقيقة ظلت تغيب عنّـي كثيراً,, وهي أن

أبي قد مات منذ عدة سنوات!
.
.
أعجبني فنقلته لكم عن مجلة العربي

( العدد 523, يونيو 2002, قسم البيت العربي, ص 178).