«كابري».. الطبيعة الساحرة والتراث المعماري الرفيع

ساحل جزيرة كابري ينسيك عناء الايام المتعبة

ربما يتفاجأ
السائح الذي يبحث عن مكان ما في جزر البحر المتوسط، لقضاء بعض الوقت لوحده
أو مع عائلته، بجزيرة «كابري» الايطالية الصغيرة التي تطفو على مياه بحر
«بيهين» حينما تجمع بين مناظرها الطبيعية الخلابة، وطرازها المعماري الراقي
وتراثها الحضاري الذي ينساب الى الحاضر من تاريخها القديم ليشكل باقة من
المعالم السياحية الجذابة جداً.
فهذه الجزيرة التي وضع أسس بنائها
المعماري، قياصرة الرومان الأوائل، الذين اتخذوا منها موضعاً للاستجمام
والراحة والبهجة، وعلى رأسهم القيصر «اوغستوس» والقيصر «تيبريوز» ما زالت
تشكل نقطة جذب سياحي عالمي كبير، لانها قد تتفوق من حيث التنوع الجمالي
والفني على غيرها من جزر السياحة الايطالية الأخرى.
وأبرز ما يميزها،
ذلك التزاوج الطبيعي الهارموني بين جبالها البيضاء المتقطعة، التي تتناثر
بعض صخورها العملاقة بين سطوح مياه البحر الزرقاء، أو تلك الغابات الخضراء
التي تشكل مظلات لقمم الجبال أو المتداخلة بصورة مكتظة في مواضع السهول
المنتشرة بين هذه الجبال.
فثروة الجزيرة هذه تأتي بصورة اساسية من صناعة
السياحة، حيث يفد اليها سنوياً آلاف الزائرين من مختلف انحاء العالم،
ويستفيد من هذه الثروة سكانها البالغ عددهم نحو 15 ألف نسمة، لذلك فان
التقاليد السياحية في الجزيرة، التي ترسخت على مر الأزمان، أصبحت الآن
جزءاً طبيعياً وحيوياً من سلوك السكان اليومي، وهذا ينعكس في طريقة تعاملهم
المهذب مع الزوار، ومستوى التعامل والخدمات وأيضاً البرامج السياحية التي
يقدمونها لهم.

المغارات المائية
وابرز وجوه السياحة في الجزيرة،
هي تلك المغارات المائية الطبيعية ذات الألوان المختلفة، التي تتكون من
ازقة مائية تتفرع باتجاهات مختلفة داخل هذه المغارات العملاقة، ويقطعها
السياح بواسطة قوارب سياحية صغيرة.
ومن بين هذه المغارات مغارة «غروتا
زورا» الزرقاء اللون من الداخل والتي تتسلل إليها اشعة الشمس من خلال
الثقوب الحجرية الطبيعية المنتشرة على جدران الجبال الحاضنة لها والتي
تنعكس على مياه الانهار الجارية فتشكل حزمة من الأضواء الجميلة الملونة.
الزوارق
السياحية، تنطلق بين ساعة واخرى من ميناء «ماريين غراند» لتدخل الى
المغارة من بوابتها العملاقة المتصلة بمياه البحر، وبعد ساعات من التجوال
في داخل المغارة، تعود الى مواضعها الاصلية، في الطبيعة المفتوحة، فترسو
على احد جوانب ارصفة الميناء، استعداداً لنقل وجبة جديدة من السياح
المنتظرين هناك.
ومن الاوجه السياحية الاخرى، سباقات الزوارق السريعة،
التي تجري اما في مواسم محددة واما في اوقات مفتوحة، يختارها المتسابقون
بأنفسهم، وفي اثنائها تمتد مهرجانات المتعة واللهو من سواحل الجزيرة
المائية الى مركز الجزيرة الرائع الذي تتفرع منه شبكة من الازقة العتيقة
التي تصطف على جانبيها بيوت حجرية ملونة ومزينة بأنواع مختلفة من الفسيفساء
ومحلات قديمة واخرى حديثة مختلفة الاغراض والخدمات.
وهناك مجال واسع
للتسوق والتزود بمختلف انواع البضائع المحلية والاجنبية فضلا عن المتعة
بارتياد المقاهي النموذجية والمطاعم التراثية والحديثة التي تشتهر بتقديم
انواع مختلفة من الاطعمة، واشهرها مطاعم «البيتزا» الإيطالية المعروفة.
كما
وتوجد ايضاً فنادق بدرجات مختلفة ومكاتب سياحية، لكن الخدمات التي تقدمها
هذه الفنادق والمكاتب السياحية، تعتبر من الخدمات المتطورة جداً، وهدفها
توفير كل مجالات الراحة للضيوف، بما في ذلك خدمة مرافقتهم في جولات سياحية
ميدانية، قد يحتاجها الزائر للتعرف الى تاريخ الجزيرة ومعالمها وسيرة
رموزها من القدماء والمحدثين في عوالم السياسة والادب والفن.
جزيرة
«كابري» عبارة عن اسطورة جمالية ساحرة، وربما بسبب ذلك جعلت شركات الانتاج
السينمائي والتلفزيون تحاول الاستفادة من معالمها المختلفة وتوظيفها فنيا،
فهي لا تتأخر عن تصوير الافلام الروائية المختلفة وخاصة «الرومانسية» في
هذه الجزيرة، وكذلك المهرجانات الفنية والابداعية التي تنظم فيها بين الحين
والآخر، فضلا عن المعارض التشكيلية لأشهر الرسامين في العالم، وكذلك عروض
الأزياء وتسجيلات «كليبات» الغناء المختلفة.
انها جزيرة مشحونة بالدفء
والهدوء والطبيعة والرومانسية الرائعة، وأهلها يتميزون بالبساطة المفرطة،
ولكن بثقافة واضحة نلاحظها من اهتمامهم الكبير بتاريخهم وتراثهم الفني
الأصيل، حيث تظهر ابداعاتهم في أثناء مواسم المهرجانات الفنية التراثية،
وخصوصا في ميادين الموسيقى والغناء والرسم وأيضا ازيائهم الفلكلورية
الأصيلة.

عربات اللانو
وفي الجزيرة توجد متعة سياحية أخرى، هي
عربات «اللانو» التي توفر للسياح فرصة الإطلالة على بانوراما الطبيعة من كل
جهاتها، فسكة هذه العربات تربط قمم الجبال فيما بينها، والسائح يستطيع ان
يشاهد كل معالم الجزيرة مرة واحد.
ومع كل هذه المشاهد الساحرة، فان
للجزيرة تاريخا حضاريا آخر، يبدأ من عصور القياصرة الذين حطوا رحالهم فيها
وبنوا بعض الفلل أو القلاع أو البيوت التي أصبحت جزءا من السياحة الجذابة
فيها، اضافة الى فلل وبيوت اخرى بناها بعض المشاهير الكبار من بلدان اخرى،
وسكنوها لفترات مختلفة.
ان اهم مدن الجزيرة هما مدينتا «كابري» و«آنا
كابري» وقد اشتق اسم الجزيرة في الماضي السحيق من الكلمة اللاتينية Capreae
التي تعني «الماعز»، وربما كانت الجزيرة في الماضي السحيق تحتضن ثروة
كبيرة من الماعز.

فيللا جوفيس
واحدى اشهر الفلل الرومانية
القديمة هي فيلا «جوفيس» الواقعة في الساحل الشمالي الشرقي من الجزيرة،
والتي بناها القيصر «تيبر يوس»، وتعتبر آية في الجمال المعماري الرفيع الذي
يبهج النفس من النظرة الأولى.
وبعد سقوط الامبراطورية الرومانية، عانت
الجزيرة وعلى مدى مئات السنين احتلالات وحروبا وكوارث، ولكن مرحلة الاحتلال
الخارجي قد تجددت فيما بعد على أيدي العثمانيين ومن ثم الفرنسيين الذين
حولوها في زمن حروب نابليون الى قاعدة بحرية محصنة.
وفي القرن السابع
عشر، وقع جامع الآثار الفرنسي «ياخوس بارجارد» في حب الجزيرة، فانتقل للعيش
فيها، وصدر له عام 1850 كتاب اثار اهتمام وفضول الاوساط الأوروبية
المختلفة، لكونه قد تناول سيرة حياة عدد كبير من اغنياء القوم والمبدعين
وقادة الدول الذين كانوا يزورون الجزيرة أو يعيشون فيها.
ومن بين هذه
الاسماء الكاتب الروسي الشهير مكسيم غوركي الذي قضى فترة ليست بقصيرة فيها
طبقاً لوصية الاطباء الذين نصحوه بذلك لنقاء هوائها، كونه كان يعاني من مرض
السل، لكنه وخلال اقامته هناك استفاد كثيراً من صفاء اجوائها وجمال
طبيعتها، فألف بعضا من مؤلفاته فيها.

لينين عاش فيها
وتضم قائمة
الاسماء أيضاً فلاديمير ايليتش (لينين) الذي هو الآخر، قد قضى فترة من وقته
في هذه الجزيرة، وربما كان يبحث عن شيء من الراحة والاسترخاء، وأيضاً رجل
الأعمال الألماني غروب وكلاودا ديبوي وغراهام غرين وملكة السويد فيكتوريا
والزعيم الفاشي موسوليني وغيرهم كثيرون.
ولان هذه الجزيرة قد تمتعت
بميزة الهدوء والاستقرار والانعزالية، فانها لم تخلُ من فئة النساء
«السحاقيات» والرجال «المثليين» الذين اختاروا أحد الاحياء الصغيرة في
اطراف الجزيرة للاقامة فيه.
ومن اشهر البيوت التي تحظى بالاقبال الشديد
من قبل الزوار، هو البيت الذي كان قد سكنه الروائي الشهير اكسل مونثي الذي
الف كتاباً حول الحياة والموت، وهو عبارة عن سيرة ذاتية مليئة بالدراما
الممتعة التي عاشها في هذه الجزيرة.
وهناك فيللا اخرى بالجاذبية نفسها
تعود في الأصل الى الكاتب كوريزيو مالابارتي الذي بناها عام 1938، والتي
تعتبر اليوم واحدة من اشهر المعالم العمرانية في الجزيرة.
وهذا الكاتب
ذو الميول اليسارية عاقبه موسوليني باعتقاله ومن ثم نفيه الى جزيرة اخرى
والاستحواذ على فيلته عنوة، لكنها اليوم عادت لتصبح احد ممتلكات الدولة
التراثية.
الطبيعة هنا كما يشير المعجبون تتحدث، ولكن بلغة موسيقية خفية
وجذابة وتنسجم مع المشاهد الساحرة والهدوء الذي يملأ عباب الجزيرة، ويبعث
على استتباب حالة من الاسترخاء والتأمل والمتعة النفسية التي تجعل الزائر
ينسى ولو لبعض الوقت عناء الايام المتعبة الماضية.

«كابري».. الطبيعة الساحرة والتراث المعماري الرفيع 47d1efb6-6fde-429c-a2a8-fe372534a179_maincategory

«كابري».. الطبيعة الساحرة والتراث المعماري الرفيع 47d1efb6-6fde-429c-a2a8-fe372534a179_maincategory

حركة نشطة في قلب المدينة

«كابري».. الطبيعة الساحرة والتراث المعماري الرفيع 39d10e4d-3f65-4719-976b-e3ca29d46ee8_maincategory

عربة اللانو توفر فرصة الاطلالة البانورامية على معالم الجزيرة

«كابري».. الطبيعة الساحرة والتراث المعماري الرفيع 1b897fd9-1f3c-42e8-aab6-1d5abe8a9a13_maincategory

«كابري».. الطبيعة الساحرة والتراث المعماري الرفيع 1b897fd9-1f3c-42e8-aab6-1d5abe8a9a13_maincategory

ميناء الجزيرة وفنادقها ومقاهيها التقليدية

«كابري».. الطبيعة الساحرة والتراث المعماري الرفيع F379785c-6fe6-4792-ab97-b85e52f21df9_maincategory

«كابري».. الطبيعة الساحرة والتراث المعماري الرفيع F379785c-6fe6-4792-ab97-b85e52f21df9_maincategory

قوارب تنقل السياح الى داخل المغاور المائية

«كابري».. الطبيعة الساحرة والتراث المعماري الرفيع Ee90d6e3-b631-4da1-96a7-305ae8d67aeb_maincategory

الجزيرة تعج بالمناظر المطلة على البحر (فيلا ميشال)
«كابري».. الطبيعة الساحرة والتراث المعماري الرفيع E3ed254b-0ef4-4f8e-a6e0-7eaeaf6eb791_maincategory

«كابري».. الطبيعة الساحرة والتراث المعماري الرفيع E3ed254b-0ef4-4f8e-a6e0-7eaeaf6eb791_maincategory

مقهى مثالي لجلسة رومانسية بين احضان الطبيعة والبحر

» لأصحاب الذوق الرفيع
» امستردام الساحرة عاصمة هولندية تستحق الزيارة
» تشكيلة ساعات لذوات الذوق الرفيع لا تترددن بالدخول