الوجه الآخر للمطرب عبد الله مناعي أتحول إلى معالج نفساني وانصح معجباتي بأداء صلاة الفجر

استقبلنا عبد الله مناعي في بيته وعلى ارتشفات شاي صحراوي خفيف ولذيذ المذاق حضرته خصيصا لنا زوجته التي وقفت معه كما يؤكد في السراء والضراء ويحبها كثيرا ويزداد حبه إليها يوما بعد يوم وكأنهما ينتميان إلى شباب اليوم رغم تقدمهما في العمر .

عندما نجالس المطرب السوفي عبد الله مناعي بن علي ذا الشهرة الوطنية
والعربية فان أهم شيء يميز شخصيته تلك الصراحة المتناهية والأخلاق العالية
والتواضع الكبير والعودة الدائمة في حديثه إلى مرجعيته الطفولية الناصعة
التي صنعت منه مطرب اليوم رغم مطبات الحياة التي عاشها بحلوها ومرها وتقدم
عمره الذي بلغ 69 سنة بالتمام والكمال وانشغاله فوق فنه بالهموم
الاجتماعية اليومية للمواطنين.
يقول صاحب الأغاني المشهورة " بي غرام زهور " و يا بنت العرجون يا سوفية " وغيرها من عشرات الأغاني الشعبية والتراثية انه من كثرتها لا يستطيع اليوم إحصاءها كلها مع
اعترافه بان الأهمية تكمن في النوعية والكيف وليس في الكثرة والكم . ويحكي
المناعي مرارة طفولته التي عاشها طفلا حين فقد والده وعمره 14 سنة ولكن
أمه المسماة "بنت الشاطر "والتي يصفها بالفحلة عرفت كيف تربيه أحسن تربية
وتغرس فيه حب التراث وأغانيه التي اعتادت ترديدها دوما أمامه ككل الأمهات
السوفيات اللواتي يغنين التراث بتلقائية وعفوية في المناسبات وغير
المناسبات بل وان أمه كما يقول كانت تعمل لدى الغير في نسج الصوف من اجل
أن تضمن له ولإخوته وأخواته لقمة العيش بعد وفاة أبيه إلى درجة أن عبد
الله مناعي يصف تلك المرحلة بفترة رضاعة لبن التراث من أمه أي انه رضع
الأغاني التراثية مع حنان أمه.

وكلما
تذكر عبد الله مناعي أمه وهو يغني انطبعت في صوته حشرجة متميزة تزيد من
عمق وتأثير أغانيه في جمهوره. يقول المناعي مفسرا اللبن التراثي الذي رضعه
مع
حنان وصدق الأم " إنها نوع من الإشعاعات الإيقاعية التي تصدر ليس فقط من
حنجرته بل من كل كيانه أثناء أداء الأغاني وأساسها الصدق والإخلاص لماضيه
وحاضره " ويضيف " إن المطرب الذي لا يتوفر على هذه الإشعاعات الإيقاعية
الصادقة النابعة من الأعماق وتصل إلى الجمهور كان مطربا سطحيا وأغانيه لا
تتعدى المسافة الموجودة بين حنجرته وإذن المستمع. ويلخص بالقول " لذلك فان أغاني وصوتي التراثي يتفاعل معها ويصفق ويرقص لها حتى الأبكم لأنها تقرع القلب قبل الإذن وهذه ميزة عندي باعتراف الكثيرين"
وفي سن 16 سنة كان عبد الله مناعي يغني ضمن فرق الكشافة الجزائرية في تونس موازاة مع فرق فنية تونسية حيث عاش صباه في تونس مع
والديه ولكن بعد وفاة والده هاجر إلى فرنسا في جانفي سنة 1959 حيث عمل في
مصنع صنع قارورات الغاز لسنة كاملة ولكنه غادرها إلى حرفة اللحامة في شركة
رونو لكون عمله الأول لم يكن يدر عليه إلا نحو 36 ألف فرنك قديم وهناك من
باريس مكنه العمل الجديد من الحصول على نحو 50 ألف فرنك فرنسي قديم شهريا
يرسل أكثرها لامه التي تعيل إخوته وأخواته وهو مبلغ كبير يفوق أجرة
المرحوم والده الذي كان يقبض 17 ألف فرنك شهريا فقط في شركة السكك
الحديدية بتونس وقتها.

وفي باريس لم يفارق الغناء الشعبي التراثي " غنيت في المقاهي و الكباريهات
وحفلات الأعراس على امتداد 12 سنة قضيتها في المهجر وتمكنت وأنا في الغربة
من تمكين أمي الغالية من أداء مناسك الحج " ويضيف "كنت اغني وآلة الزنة لا
تفارقني أبدا منذ سنة 1952 إلى غاية اليوم فقد صارت ملازمة لي كأحد أعضاء
جسمي وهذا بعد أن تدربت قبلها وأنا طفل على آلة الناي والقصبة."
وقد التقى عبد الله مناعي في باريس بمطربين مشهورين ومنهم من غنى معهم
كما يقول أمثال سلوى ،نورة، دحمان الحراشي ، مسعود وعبد الحميد عبابسة
،كمال حمادي، بقاري سليمان، سليمان عزام، ميسوم ،ومن مصر محمود عبد العزيز
ومحرم فؤاد وسناء نادر شقيقة المطربة شريفة فاضل ومن تونس المطربة نعمة بل
وغنى حتى مع
عازفين يهود مثل موريس ميمون وكاكينو عازف آلة القانون وغيرهم. "كنا نعيش
في فرنسا أجواء فنية حقيقية وكنت محافظا طوال تلك المدة على أصالتي
التراثية السوفية ولم تؤثر في أو تغيرني حالة الاحتكاك بمطربين مشارقة ومغاربة وكان الجميع في تلك الفترة مهوسا بأغانيهم وتقليدها ولكني كنت مخلصا مع نفسي ومحافظا على تراثنا الفلكلوري السوفي الذي جعلني مطربا عربيا مشهورا بسبب ذلك الإخلاص والصدق."

وتعتبر سنة 1975 في حياة عبد مناعي مرحلة فاصلة بين عهد الأغاني الشعبية
في الأعراس والمقاهي والكاباريهات وبين عهد اكتشافه رسميا من طرف الإذاعة
والتلفزيون الجزائري ودخوله عالم التسجيل بالصورة والصوت.
"
كنت اغني في تلك السنة في حفل عرس خاص بالجزائر العاصمة وقد كان من بين
ضيوف الحفل مدير الإذاعة والتلفزيون لزهر شريط وقد غنيت كثيرا وأطربت
الجميع وقد اهتز من كان في الحفل لموهبتي وصوتي وطريقة أدائي للغناء
التراثي السوفي حتى مدير الإذاعة والتلفزيون وقتها اصدر أمرا إلى محطة
قسنطينة الجهوية بالذهاب إلى وادي سوف وتسجيل ست أغاني كاملة لي لصالح
التلفزيون والإذاعة وهو ما حصل بالفعل وقد احدث عرضها ضجة كبيرة محلية
ووطنية حيث تعرف علي من وقتها مشاهدو التلفزيون ومستمعو الاذاعة الوطنية."

وفي سنة 1980 تعرف عبد الله مناعي على الجمهور التونسي الذي اكتشفه وأحبه
بدرجة لا توصف . في تلك السنة غنى في مهرجان قرطاج الدولي وكان مع فرقته المتكونة من 6 أفراد يمثل الجزائر في حين كان اقل وفد فني يمثل أي
دولة أجنبية يتشكل من 50 عضوا. ورغم أمرية تمثيل الجزائر في هذه التظاهرة
الدولية التي وصلته من وزارة الثقافة بصفة استعجالية ودون تحضير إلا انه
أحسن تمثيل الجزائر حتى أن وزارة الثقافة أبلغته أثناء المهرجان أن حصة بث
مباشر تلفزيونية عربية تنقل على القمر الاصطناعي خصصت له مع
المطربة سلوى ومباشرة بعد البث الذي تم بمقر الإذاعة والتلفزة التونسية
"دخلت قلوب الملايين واكتشفوا موهبتي وصوتي المتميز وأغاني التراثية حيث
بلغ مجموع سنوات أحياء حفلات الأغاني في تونس من وقتها نحو 29 سنة بطلب من
جمهوري التونسي العريض." يقول المناعي .

ولا يؤمن المطرب السوفي صاحب الزنة والعباءة والعمامة بمسألة التقاعد في
الفن فهو يرى أن الفنان ملك لجمهوره ومادام هذا الأخير يطلبه فلا يمكن أن
يسمح لنفسه بالتقاعد . لذلك ورغم انه شارف على 70 سنة من العمر فهو يتمتع
بأريحية الشباب وروح المزحة " أنا مازلت مطلوب بكثرة والسهرة الواحدة في
الأعراس لا تقل عن 20 مليون سنتيم. أما المشاركة في التظاهرات الرسمية
الخاصة بإبراز التراث والثقافة الجزائرية على المستوى المحلي فاني اطلب
نحو 8 ملايين سنتيم." ويضيف " إني احتار أحيانا حينما يقارن مطربون هواة
أنفسهم بعبد الله مناعي وعوض أن يتعلموا مني كيفية صنع طريق الكفاح
والنضال الطويل نجدهم يغتاضون ويطالبون بان تكون أجرتهم مثلي. يا أخي لكل
مكانته وشهرته ومقامه وعلى ذلك الأساس يتم تقييم كل مطرب ولا يمكن الزج
بالجميع في سلة واحدة حيث لا يمكن الجمع من الناحية التقييمية بين هاو له بضعة سنوات في عالم الفن وبين مطرب قضى عشرات السنين وأفنى عمره في الفن.."
ويغتنم
مناعي الفرصة ليوجه نصائحه إلى الشباب الصاعد في الغناء بان لا ينسلخوا عن
هويتهم وتراثهم والتعبير عنه في كل المحافل المحلية والخارجية." إن التراث
الأصيل ينبع من الباطن والفطرة الطبيعية ثم يطوره الفنان ويرقيه للأفضل
ويصبح ميزة وخصوصية لديه وهذا هو النجاح وكل الفنانين الناجحين تمثلوا
الأصالة والفطرة الفنية التي دفعتهم إلى النجومية والتفرد وأنا ولا فخر
يمكن أن أشكل نموذجا حيا ليقتدي بي الجيل الصاعد من الفنانين " ويؤكد"
انصح العاملين في حقل الفن والثقافة دعم الشباب فنيا وماديا على نحو
يستطيع معه التعبير عن نفسه وأصالته ومخزون بلده التراثي لا أن تهدر الأموال الطائلة في ما لا ينفع."
وعبد الله مناعي لا يعتبر نفسه شخصية فنية معروفة
وحسب ولكن أيضا شخصية اجتماعية لها ثقلها ووزنها الاجتماعي وتأثيرها
وتفاعلها في الحياة الاجتماعية والتنموية يقول: " بصفتي مواطنا أعيش وسط
المجتمع
فان كانت أشياء كثيرة تعجبني فان أمورا أخرى كثيرة في التنمية لا تعجبني
مثلا المركب الثقافي الجديد الذي كان سيدشنه فخامة رئيس الجمهورية لولا
إلغاء أو تأجيل زيارته للمنطقة لاحظت فيه نقائص" .
أما من الناحية المادية فان عبد الله مناعي يشكر الله على النعمة التي أغدقها الله عليه مع ابنيه الاثنين أصغرهما عازف في فرقته وبناته الثلاث المتزوجات وحفيدة له صغيرة تعيش معه
حيث يصل مدخوله الشهري حاليا إلى نحو 30 مليون سنتيم مقابل إحيائه للحفلات
الخاصة والعامة كما يقول إضافة إلى أملاك وعقارات فهو يمتلك حماما خاصا
بالنساء يحمل اسم أمه " حمام بنت الشاطر" وآخر بجانبه مخصص للنساء المعوقات
والمتحجبات واللواتي لديهن عاهات ولا يردن أن تنكشف عوراتهن وعاهاتهن أمام
النساء وهذه سابقة في تاريخ الحمامات بالجزائر هذا إلى جانب امتلاكه
لمزرعتين من النخيل بقرية الضميريني ببلدية اميه ونسه بهما نحو 60 نخلة
وأيضا امتلاكه لستة رؤوس من الإبل تعيش في الصحراء وهي دليل كما يقول عن
حبه للأصالة وحياة البادية والتراث العريق. كما كان عبد الله مناعي يدير
مقهى بوسط مدينة الوادي ولكنه أغلقه نهائيا حين اكتشف أن بعض متعاطي
المخدرات يترددون عليه.

ولا تخلو حياة المطرب عبد الله مناعي من بعض الغرائب التي حدثت له في
الحياة وهو يعتبرها بركة من الله سبحانه وتعالى .يقول " في صيف سنة 1983
كنت اغني بعين صالح بأقصى الجنوب مع
فرقتي ومرت فوق مكان الحفل في السماء سحابة صيف كثيفة وتهاطلت أمطار غزيرة
حولت الحفل إلى عرس حقيقي أشبه بالعيد نظرا لقلة سقوط الأمطار بالصحراء.
ومنذ أيام فقط كنا نغنى في الأسبوع الثقافي في مدينة جانت والتقيت بأشخاص
كانوا شهودا على امطار صيف سنة 1983 وتذكرناها معا
وقلت لهم إن شاء الله تمطر السماء أيضا هذه المرة وسبحان الله كنت اغني
فأمطرت السماء بغزارة وهي لم تهطل منذ أربع سنوات. فبدأ الناس هناك يقبلون
يدي ورأسي ويتبركون بي كبشير خير لهم" وأضاف في صغري حين كان عمري 13 سنة
اصطدت طائر الهدهد الذي ورد ذكره في القرآن وهو من أصعب الطيور وقوعا في
الفخاخ لذكائه ووزعت لحمه وريشه على حفظة القرآن في المساجد حيث كانت
العادة السائدة أن لحمه مبارك وريشه سبب لحفظ القرآن وتقوية الذاكرة لمن
كتب آيات القرآن الكريم بريشه على اللوح." وفي ليلة 27 من رمضان قبل
الماضي والتي عادة تتزامن وليلة القدر لأنها من العشر الأواخر للشهر
الفضيل رأيت في المنام انه دخل بيتي أربعة أشخاص يلبسون لباسا رماديا
وهموا بالصلاة في ساحة البيت فلحقت بهم وسجدت على البلاط وأنا خلفهم
فانتبهت من نومي فوجدت نفسي حقيقة ساجدا على البلاط كما حدث في المنام."

واكبر مشكلة يعانيها المطرب الشعبي عبد الله مناعي ونقيب الفنانين
المحليين رسميا رغم عدم اعتراف العديد من الفنانين بهذه النقابة التي لم
تستطع لم شمل الفنانين كما يعترف هو شخصيا بذلك تبقى مشكلة معاكسات
الجنس اللطيف والتحرش به هاتفيا من داخل وخارج الوطن وقد صادف وجودنا
ببيته تحرش إحداهن به حيث هاتفته من باريس. ويشرح الأمر "أنا متعب كثير من
مطارداتهن المستمرة ولكني أتحول إلى معالج
نفساني حتى أحول دون حالة العشق والوله التي تلفهن فأقول لهن عادة ما أحسن
القيام للصلاة وقت الفجر واني وسط بيتي وأولادي وان لي زوجة فائقة الجمال
أتمنى لو ترينها والجلوس معها إلى غير ذلك من الكلام الذي تشتم منه العاشقات والمعجبات
باني لست من نوع الفنانين "إياهم " خاصة وان بعضهن يردن المال والمادة
ويحسبن أن مناعي من متعاطي الخمور وو… حتى يظفرن مني على المال أو مزايا
مادية.." ويضيف " إني اصرفهن عني بهدوء وابرد لوعتهن ومعاكساتهن بكلام معقول لأنهن مهما كانت تصرفاتهن فهن من جمهوري المعجب بي ولكن هناك نساء لا يتعدين الحدود ويكتفين بعبارات الإعجاب والتقدير أما النساء المعاكسات والمتحرشات فمشكلتي معهن مستمرة وكل نوع منهن اصرفه بطريقة معينة واني اطلب الله أن يعينني على صرفهن وإعادتهن إلى جادة الصواب ."

كما كشف أن العديد من العرائس يشترطنه للغناء لتتم مراسيم الزفاف وان أولى
العرائس اللواتي اشترطنه على أزواجهن لإحياء حفلات الزفاف هن القسنطينيات
في فترة السبعينات " في تلك الفترة اشترطت عروسان قسنطينيتا الأصل أن
يقوم زوجاهما بإحضار مناعي لكي يغني في حفل الزفاف وإلا فإنهن يفسخن عقد
الزواج من الأساس لإعجابهما بأغاني التراثية ولبيت الطلب وأحييت حفل
زفافهما كما تشترطنني العديد من العرائس التونسيات لإحياء حفلات الزفاف
هناك في تونس." خليفة قعيد 20/5/2009
نقلا عن مدونه الصحفي انور العايب